الثلاثاء، 25 يناير 2011

الحرية الاجتماعية والفكرية مقدمة بناء الحضارة

دعا سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) الى توفير الحريات المختلفة في المجتمعات الإسلامية لأن ذلك يعد من المقدمات الأساسية لتطوير المجتمع وبناء الحضارة، جاء ذلك خلال تدبره في الآية 23 من سورة الروم في محاضراته القرآنية التي ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك على جمع غفير من العلماء والخطباء وطلبة العلوم الدينية.
وتساءَل سماحته في بداية حديثه عن سنة الاختلاف الواردة في الاية المباركة (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)
 وقال :"من الموضوعات الأساسية التي بقيت مجملة ومبهمة وتكتنفها الشبهات المختلفة، هو البحث عن (سُنة الإختلاف)؟ فالآية المباركة لا تعتبر الإختلاف جائزاً فحسب بل تراه دليلاً وآيةً تدلنا على الله سبحانه وتعالى.
إذا نظرتَ الى القطع التي تُكوِّن طائرة صغيرة ولكنك فوجئت بتباين أحجامها وألوانها والمواد التي صُنِعت منها، ربما تعترض على هذا الإختلاف وتقترح أن تُصنع جميع القطع من مادة واحدة وبلون واحد وبحجم واحد، لكن هذا الإعتراض وهذا الاقتراح انما يدل على جهلك بالأمر. لأن وراء كل لون وكل حجم حكمة وهدف لا يمكن ان يتحقق إلا عبره، لكن العالِم وحده هو من يعرف ذلك.
كذلك الكون، فإذا نظرتَ من حولك وتأملت في الاختلافات الشاسعة بين جميع مكونات هذا الكون الرحيب، فالشمس والقمر والنجوم كلها تختلف عن بعضها البعض وتختلف عن باقي الكائنات، الحيوانات تختلف عن الجمادات وهي بذاتها تختلف وتتشعب في داخلها الى الوف الشعب والفصائل المختلفة.. اذا نظرت الى كل ذلك وبحثت عن حكمة كل حجم وكل لون وكل طولٍ او قصر، ستهديك هذه إلى حقائق عظيمة وستؤمن بأن خالق هذا الكون لابد ان يكون حكيما فيدلك ذلك على معرفة الله.
فإذا نظرت في ليلة ظلماء الى السماء، سترى بعينك الوف بل وعشرات الألوف من النجوم المختلفة، الكبيرة والصغيرة، تتشابه في مظهرها عندك، لكن في حقيقة الأمر تختلف النجوم عن بعضها اختلافا شاسعا لكننا نرى خلاف ذلك باعيننا، ففي دعاء السمات – وهو من الأدعية العظيمة - نقرأ بعد ذكر النجوم (وجعلتها لجميع الناس مرأى واحدا).
وإذا نظرت إلى نفسك ورأيت كل شيء قد وضع في مكانه وبحجمه، لحكمة بالغة ونظم دقيق، سيدلك ذلك على الله سبحانه.
(اختلاف السنتكم والوانكم)
قالوا بأن اللسان بمعنى اللغة، فمعنى اختلاف ألسنتكم يكون بمعنى اللغات المختلفة. وقالوا بأن اللسان هو الطريقة في التكلم والنبرة الصوتية الخاصة حيث يستطيع ان يميز الآخرون صوته عن باقي الأصوات.
وهناك معنى اعمق من ذلك، وهو أن اختلاف السنتكم يكون بمعنى (اختلاف افكاركم وثقافاتكم)، لأن اللسان ترجمان العقل. وكما قلنا سابقا في منهجنا للتدبر اننا نؤمن بأن القران يبين حقائق مختلفة وبمستويات متعددة وجميعها صحيحة، فعلى هذا الأساس تكون المعاني الثلاث صحيحة معاً.
لكن ربما يسأل السائل: ألم تقولوا بأن العقل من الله، فكيف تكون العقول والأفكار مختلفة؟ للاجابة نقول نعم، أساس العقل واحد وهو من الله سبحانه وتعالى لكن كل شخص قد أعطي مقداراً من هذا العقل متناسباً مع استخدامه، ومن ثم يأتي دور الإستفادة منه والرواية التي ذكرناها سابقا حول ارتباط العلم بالعقل تدل على هذا الأمر، حيث يقول الامام الصادق ع: (كثرة النظر في العلم يفتح العقل). (والوانكم)
قالوا بأن المعنى هو: (ألوان جلودكم) من ابيض واسود و ... ،وهنا لابد من بيان حقيقة وهي أن الالوان التي اختارها الله لمخلوقاته جائت كلها بحكمة بالغة، فمن لون الحيوانات والبهائم وحتى لون الفواكه له حكمة، حتى أن الأطباء ينهون المبتلى بمرض السكري عن تناول الفواكه الصفراء، كذلك لون الجبال وزرقة السماء وغير ذلك.
لكن هناك تفسير آخر لهذه الآية وهو أن (الوانكم) بمعنى عواطفكم ومشاعركم، فلأن البشر له عقلٌ وعاطفة حيث يشكلان ثنائياً كجناحي طائر، لا يستطيع أن يسمو بأحدهما دون الآخر. فليس من النقص والضعة في شيء قولنا أن عقل النساء اقل من الرجال لأن عاطفتها تفوق الرجال اضعافاً مضاعفة، وقد اعطى الله كلٌ حسب حكمته الواسعة. فلا يظن أحد أن للرجال على النساء فضلٌ ولا فخر لأن (اكرمكم عند الله أتقاكم).
حكمة الإختلاف البشري
لكن هنا نرجع الى السؤال الذي طرحناه في بداية الأمر: ما هو سبب الاختلاف البشري؟ أو لم يكن من الأفضل لو كان جميع البشر خلقوا بصورة متساوية؟
للاجابة نقول أن من صفات الإنسان أنه موجود اجتماعي، فلا يستطيع أن يعيش إلا ضمن مجموعة ومع افراد آخرين، سواء كانت هذه المجموعة صغيرة او كبيرة. والمجتمع  بحاجة الى جميع الأصناف من الناس ولا يقوم الا على الإختلاف بينهم في قدراتهم البدنية والعقلية ليقع كل واحدٍ منهم في مكانه الخاص، ألا ترى لو أن جميع الناس كانوا اطباء، تُرى من يقوم بتشييد البنايات من عمال مهرة ومهندسين، ومن سيحل الإختلافات من القضاة والمحامين ومن سيحفظ الأمن من رجال الأمن؟ ولو أن جميع الناس أحبوا نوعا واحداً من الطعام كان ذلك مفسدة لغيره من الطعام وهكذا ...
وفي التاريخ الحديث نجد أن ستالين قتل عشرين مليون شخص صبراً في السجون غير الذين قتلهم في الحروب، وكان هدفه توحيد البشر تحت رايةٍ واحدة، بلون واحد، وذوقٍ واحد، وفكر واحد، لكن فشل في ذلك حتى هلك.
رسالة الأنبياء : الحرية
فهنا ومن خلال هذه الاية المباركة نستنتج أن الإختلاف سنةُ من سنن الله في خلقه، وإذا كان الإختلاف سنة فإن ( الحرية ) اصلٌ أساسي من اصول المجتمع الاسلامي. وكان من أعظم نعم الله على البشر أن ارسل لهم الرسل وواتر لهم الأنبياء لكي يخرجوهم من العبوديات الظاهرة والخفية واعطوا لهم الدين والعقائد ولكنهم لم يُجبروهم على اتباعهم. فكان شعار الأنبياء وشعار نبينا الأكرم (لا اكراه في الدين) فكان باستطاعتهم أن يجبروا الناس على الطاعة ولكن (ولوشاء ربك لجعل الناس امة واحدة).
فإذا تعاملنا مع هذا الإختلاف ضمن إطار السنن الالهية والمنهج الإلهي سيكون اللبنة الأولى لتطوير المجتمع وبناء الحضارة.

الاثنين، 24 يناير 2011

الإختلاف نضج في الوعي : فهل من مجيب ؟

لا أحد سيجادل إذا قلنا بأننا نعيش في وسط فيه من الإحباطات و الإكراهات ما قد يعجز الواحد منا على تجاوزه بمفرده ، دون إمتلاكه لرؤية واضحة تحدد المواقع الثابة من تلك المتحركة حتى يستطيع وضع أقدامه على أرضية صلبة ليتجنب العثرات و السقوط ، إذ أن ضبابية الرؤية ، و إصابتنا بداء فقدان الثقة في الذات ، نتيجة إهتزاز محور إرتكازنا ، و بالتالي إنفلاتنا و تسيبنا خارج الإطار المرجعي ، تولدت عنه هذه الإحباطات من يأس و إحساس بالضياع و غربة عن الذات ، و كذا هذه الإكراهات من إقصاء وحصار لأبسط ما يملكه الإنسان ، ألا وهو التعبير عن فكره بكل حرية و طلاقة دون أن يخاف من سلطة الجلاد !!؟
وكذلك من المتفق عليه ، أيضا ،أنه لن نجد دائما من يوافقنا ، بل أبدا هناك من يخالفنا ، وهذه الحقيقة ، رغم كونها لازمة ، فإننا غالبا ما نغفلها أو نتعمد تجنبها و عدم أخذها بعين الإعتبار في تعاملنا اليومي، و كذا أثناء نقاشاتنا و عرض بضاعتنا الفكرية ،إذ نحاول دائما التنصل منها و إقصاء الطرف المخالف لنا ، و السعي إلى فرض الوصاية عليه و حصاره ، فحين أن إختلاف المبادئ و التوجهات ظاهرة صحية ، تنم عن نضج فالوعي و الإدراك ، إذا عرف كيف يسير هذا الإختلاف و يوظف في إشاعة جو من الحوار و التعايش ؛ بل و قد ينقلب الى حالة مرضية يعيق فتح آفاق الوعي و إدراك السنن و القوانين المسخرة ، عندما يكون لأحد الأطراف منطلقاته و قنوات تصريفها قد تآكلت و أصابها الصدأ نتيجة رداءة و تلوث أبنيته العقلية ، و أنسقته المنطقية ، ففي هذه الحالة يتحول الإختلاف إلى نقمة ، بدلا أن يكون رحمة مهداة الى سبل السلام و البعايش٠
الذي يخالفنا في القناعات و التوجهات يجب أن نفسح له المجال للتعبير عن رأيه و فكره بكل حرية ، لا أن نقمعه و نهمشه ، فإذا إستطاع أن يجد له آذانا صاغية ، و عقولا راضية، فيجب أن نتهم أنفسنا بالتقصير في تبليغ و إيصال ما دينا من فكر و آراء ، و أن نعيد النظر في آليات تفكيرنا و إقناعنا ، و أن نسعى الى مقارعة الحجة بالحجة ، من غير أن نثير الزوابع و زرع حالة من التشويش و الفوضى ، لأن السعي الى إقصاء الطرف المخالف ، هو إقصاء لنا وحكم بالإعدام و الإنقراض ، لأن قيمة وجودنا و حقيقة معتقداتنا و مصداقيتها ، يفرض علينا وجود النقيض الذي به نبصر عيوبنا و نقصنا ، فنسعى الى تصحيحها ، و عدم تركها للمراكمة ، إذ الوعي بالذات هو إكتشاف في نفس الوقت لقيمة و أهمية الآخر بالنسبة لهذه الذات ٠
ولهذا فقد أصبحنا مدعوين ، أكثر من ذي قبل ، الى المشاركة الفعلية في صياغة خطة عمل للخروج من هذه الإحباطات و الإكراهات ، و ذلك بمد الجسور بيننا ، و إدارة الإختلاف ، الذي هو حق مشروع ، بشكل حضاري ، و توسيع هذه الكوة ، حتى ننعم بضوء أكبر ، و نتنسم هواء أكثر ؛ ولهذا أيها الأحبة الأفاضل ، أضع بين أيديكم هذا الموضوع حتى نتشارك جميعا ، كتابة ، و نقاشا ، وتحليلا ، و نقدا من أجل الوصول الى خطة عمل ، وخارطة طريق ، لفك هذا الحصار المضروب علينا ، و الذي أنزلناه بنا بما قدمت أيدينا ، و عملت أرجلنا ، فقط طلبي الوحيد و الأخير : العقلانية و الموضوعية و النزاهة لمن أراد المشاركة ، فهل من مجيب ؟ و هل من مبادر ؟ إنا منتظرون ؟ فسلام الى حين !؟ ٠