الثلاثاء، 6 مارس 2012

المتديّن المثقف

تعريف التديّن بمفهومه الصريح، هو ميل الانسان نحو الدين ومحاولة فهم تعاليمه وأحكامه، ومن ثم الالتزام بها وتطبيقها في مناحي الحياة كافة. فيُقال لهذا الرجل بأنه متديّن، بمعنى أنه متمسك بالدين وتعاليمه، كمعيار دقيق وأوحد لتحديد المسار الصحيح من الخاطئ في معظم او كل أنشطة الانسان الحياتية المتنوعة.
بهذا المعنى يصبح التدين منهج حياة، وطريقة حصرية للتعاطي مع الآخرين في التعاملات الفكرية أو العملية، فيكون التديّن ذا سطوة قطعية على طبيعة المتدين، لأنه حصرّ نفسه فكريا في خانة التديّن، لذا فإن الدين بتعاليمه وأحكامه، يمثل خريطة فكر وعمل وتطبيق، للمتدين في آن واحد. هذا التوصيف قد يصح على الانسان المتديّن الذي لا يرى ضرورة في التلاقح مع الرؤى التي لا تأتي من التصور الديني حصرا، بمعنى أوضح، هناك أناس متدينون ينقطعون كليا الى الدين وتوابعه، ويرفضون جميع الافكار والرؤى التي تقدمها الفلسفة مثلا، أو العلوم الاخرى، الانسانية أو سواها.
هذا الانسان المتدين الذي لا يجد ضرورة في مواكبة أفكار الحياة الاخرى، قد يخسر الكثير من فوائد التداخل مع الفكر الآخر، لأن الانسان الذي يحجب عن نفسه الرؤى والافكار الاخرى، يبقى حبيسا وأسيرا لنهج فكري وعملي واحد، وهو هنا يخسر التنوع الذي يعد من أهم مقومات الحياة المتوازنة الناجحة، فيبقى أسير النهج الأحادي الذي يجعله في حالة شبه دائمة من العماء، كونه لا يبصر إلا لونا واحدا من ألوان الحياة الفكرية او العملية الكثيرة.
في هذه الحالة سيفقد المتديّن تأثيره في الآخر، لأنه أصلا متقاطع معه، فحين يرفض المتديّن التلاقح مع الآخرين، هذا يعني اعلانا صريحا بعدم الاعتراف بهم كذوات لها قيمها وافكارها وتوجهاتها التي ينبغي أن تُحترّم، ومن لا يحترم ذوات الناس، فهم سيرفضونه أيضا، وبهذا يفقد الانسان المتدين فرصة الاصلاح التي يتمتع بها أو ينبغي أن يتمتع بها أكثر من غيره، لأنه فقد حالة التواصل مع الآخر، وفقد فرصة تفكير الرؤى والافكار الدينية التي تصلح الانسان اذا كان خاطئا أو يسير في طريق الانحراف.
كما أننا لابد أن نتفق بأن الرجل المتديّن لابد أن يواكب العصر، ويطلع على التسارع الهائل في مجالات الحياة كافة، لكي يكون انسانا متدينا وعصريا في آن، إذ ينبغي أن لا يظهر أي تقاطع بين تديّن الانسان وبين مظاهر العصر العملية والفكرية، إلا بحدود ما يتنافى مع الضوابط والتعاليم الدينية وهذه (التعاليم الدينية) في معظمها ضوابط تهدف الى صالح الانسان تبعا لأصالة مصدرها، لذا فإن الانطواء والعزوف عن معرفة مجريات العصر، يقود بالضرورة الى حالة من الاحادية الخاطئة التي قد تسجن حاملها في رؤية واحدة ربما لا تتغير مدى العمر، وهذه حالة تنطوي على التعصّب ورفض الفكر الآخر حتى الشبيه او المقارب، وتصنع نوعا من الأنا المتضخمة، التي تمجّد الذات وتنكر مجد الآخرين او جهودهم.
وهكذا مطلوب من المتديّن أن يكون مثقفا، وبمعنى أدق منفتحا على الثقافات والافكار الاخرى، لكي تكتمل لديه صور العصر ومساراته المتعددة والمتباينة أيضا، ليميز بدقة ووضوح بين غثّها وسمينها، وهذا ما يمنح لشخصية المتديّن قدرات اضافية في الحركة والتأثير بالآخر، واكتساب القدرة على تغيير الانحرافات، بل وحتى القناعات الراسخة احيانا، بسبب تمتع المتديّن المثقف برؤى ثاقبة، تراكمت لديه من الخليط الفكري اللاهوتي والثقافي والادبي والفني وسواه.
ويمكن للمتدين أن يكون مثقفا اذا قام ببعض الخطوات الفعلية ومنها:
- قراءة الكتب والاطلاع على الجديد في ميادين الفكر والفلسفة والادب وسواه.
- المشاركة المتواصلة في الندوات المتنوعة، أي في مختلف الاتجاهات.
- فتح حوارات فكرية مع الآخر، للاجابة عن الاشكالات التي تواجه الناس دينيا أو سوى ذلك.
- اطلاق مشاريع تشاركية تؤكد عدم انطواء المتدينين وانفتاحهم على الجميع.
- تأكيد شخصية المتديّن المثقفة عبر وسائل الاعلام وكل الفرص المتاحة الاخرى.
- إظهار النزعة الجماعية في الاقوال والاعمال معا، ليكون المتديّن عنصرا مؤثرا في المحيط الذي ينشط به.
-------------
 علي حسين عبيد