الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

التفرقة بين المسلمين: الأسباب والعوامل

تُبذل حاليّاً مساعٍ وجهود مضاعفة، ومن أكثر من جهة، عالميّة ودوليّة، وحتى إقليميّة، من أجل أن لا يتّحد المسلمون، وأن لا يتفقوا، وأن يعمل بعضهم ضدّ بعضهم، وتكريس حالة العداء والبغضاء فيما بينهم.
 وتتصاعد هذه المساعي والجهود خصوصاً كلّما اشتدّت الظروف والأحوال، وكلّما كانت أوضاع المنطقة أكثر دقّةً وحساسيّةً وتعقيداً، وعلى وجه التحديد: كلّما كان المسلمون في حاجةٍ إلى لوحدة أكثر من أيّ وقتٍ آخر.

واعتماداً على تصوّرٍ غير بعيدٍ عمّا يجري حولنا في الواقع الراهن، فإنّنا نرى أنّ أعداء هذه الأمّة ليس لهم دافع وراء هذه المساعي والجهود (اللّامباركة) سوى الحؤول دون تحقّق ذلك الطموح الإسلاميّ المتجذّر في وجدان المسلمين بشكلٍ عامّ، أعني به: الطموح بالوصول إلى تحقيق سيادة الإسلام وحكومته.. وهو طموح بات اليوم يقترب أكثر فأكثر من أطواره العمليّة؛ ومن الطبيعيّ أنه إذا أُريد للإسلام أن يسود، وإذا أراد المسلمون في العالم الإسلامي أن يعتصموا بالإسلام، فإنّ هذا سوف لن يكون متاحاً لهم مع وجود كلّ هذه الخلافات والنزاعات.

وفي الحقيقة، فإنّ إشعال نيران الحروب والنزاعات الدامية بين المسلمين في داخل المجتمعات الإسلاميّة، سواء في البلد الواحد أو بين البلدان الإسلاميّة المتعدّدة، هي العقبة الأصعب في طريق سيادة الإسلام وإقامة حدود الله على أرضه.

وفي هذه المقالة نسلّط الضوء على بعض الأسباب والعوامل التي من شأنها أن تُنجح مساعي التفرقة والتشتيت التي يبذلها الأعداء، لغرض معرفتها أوّلاً ومواجهتها ثانياً:

1) الشرك: الأفكار المشركة توزّع البشر وتفرّقهم، والمجتمع القائم علی أساس الشرك يفرّق البشر إلى طبقاتٍ، ويجعل هذه الطبقات أجنبيّة علی بعضها. وفي مثل هذا المجتمع، عندما تُطرح علاقة الإنسان بمبدأ الوجود وبالقوّة القاهرة والمتسلّطة علی العالم، فمن الطبيعيّ أن يتفرّق البشر، ويبتعد بعضهم عن بعضهم، فينحاز أحدهم إلی إله، ويركن الآخر إلی إله آخر، ويؤمن الثالث بإله ثالث، وهذا بخلاف ما لو كان المجتمع توحيديّاً، سواء كان إسلاميّاً أم غير إسلاميّ، فإنّ المجتمعات التوحيديّة توجّه قلوب أبنائها نحو نورٍ واحد، وإله واحد، يفيء الجميع إليه، ويستمدّ الجميع منه، ويلتقي الجميع عنده. بخلاف المجتمع الذي يكون مبنيّاً علی أساس الشرك، فإنّه يبني بين أبناء البشر والجماعات الإنسانيّة جدراناً مستعصية، ويحفر بينهم حفراً وهاويات لا يمكن ردمها.

2) الشيطان: أينما كان هناك اختلاف بين المؤمنين وبين عباد الله الصالحين، فلا شكّ في أنّ الشيطان عدوّ الله حاضر هناك. فحيثما وجدنا اختلافاً فلنفتّش قليلاً، وسنجد من دون كثير عناء أنّ الشيطان هناك، أو الشيطان الذي في داخل نفوسنا، المسمی بـ النفس الأمارة بالسوء، وهو أخطر الشياطين. إذاً من وراء كلّ الاختلافات تقف: إمّا أنانيّاتنا وحبّنا للجاه والنفس، أو الشياطين الخارجيّة، ومنها: أيادي الأعداء والاستكبار والقوی الظالمة الجائرة.

3) الجهل وسوء الفهم: لو علم المسلمون على وجه الدقّة أنّ الوحدة هي جوهر هذا الدين، وهي من صميم تعاليمه وأحكامه، لما وجدنا الأمّة الإسلاميّة تعاني من التفرقة ومن مظاهر الشقاق والنزاع. فعلى الأمّة الإسلاميّة اليوم، بنخبها السياسيّة والثقافيّة والدينيّة، وبأبنائها كافّةً، أن تكون متيقّظةً أكثر من السابق، وأن تتعرّف علی حيل الأعداء ومخطّطاتهم وتواجهها، ومن أقوى هذه الحيل وأخبثها: هي إذكاء نيران الخلافات، التي لو اقترنت بغفلة من جانب المسلمين، أو لو أنّها اختلطت بالعصبيّة وسوء الفهم وانقطاع التواصل والحوار، لاستطاعت أن تخلق من المسلمين أعداءاً يجابه بعضهم بعضاً.

إنّ التعصّب الأعمى لا يولّد إلّا المزيد من الجهل والعمى، كما نجده لدى بعض المذاهب التي تدّعي الإسلام اليوم، من الحقد وضيق الأفق، حتى أنّهم يعتبرون العالم الإسلاميّ كلّه كافراً، ما عداهم هم طبعاً، فنراهم يوزّعون تهم التكفير يميناً وشمالاً، وعلى مسائل صغيرةٍ تافهة، أو مسائل خالفوها اتّباعاً لأهوائهم وهي مرغوبة شرعاً وممدوحة عقلاً، ولكنّنا نسأل: هل يكون كافراً من يعشق النبي الأكرم(ص)؟! وهل من يفرح في يوم مولده(ص) ويوزّع الحلوى ويظهر السرور يكون كافراً؟! وهل من يتقرّب إلى الله بحبّ أوليائه يكون كافراً؟!!

4) الزعماء وأصحاب السلطة: إنّ الخلافات والتناقضات والمماحكات والصدامات والإساءات كانت موجودة بين الفرق والطوائف الإسلاميّة منذ قرون وإلی اليوم، وهي منذ ذلك الحين، وإلى الآن، في ضرر المسلمين وحدهم. وإذا تتبّعنا جيّداً، فسنجد أنّ غالبيّة هذه التناقضات والصراعات في التاريخ الإسلاميّ ترجع إلی أجهزة السلطة ورؤوس الأنظمة الحاكمة، وأنّ خيوطها كانت كلّها تقريباً بيد السلطات في جميع البلاد الإسلاميّة. فالجهل والعصبيّة وحدهما (مع عظيم أثرهما) ما كان لهما أن يوجدا تلك الأحداث الدامية الكبيرة في التاريخ، لولا أجهزة الحكم وأصحاب السلطة ممّن كانوا يستفيدون في الجانب الشخصيّ والمادّيّ من تسعير نيران هذه الخلافات. ثمّ حينما دخل الاستعمار إلی البلدان الإسلاميّة، بات واضحاً أنه أيضاً يتابع نفس الهدف، ويمشي على نفس الطريقة والمنوال.

--------
حسن يحيى

الخميس، 24 نوفمبر 2011

الأمّة المهزومة نفسيّاً.. على طريق استعادة الثقة بالنفس

منذ أن وُلدت الأمّة الإسلاميّة حتى انبثقت معها منظومة ثقافيّة وفكريّة حملت في طيّاتها عقيدتها وأخلاقها وآمالها ومسار حركتها الفكريّة والاجتماعيّة.. علماً بأنّ الثقافة مصطلح حديث يُراد به كلّ ما يميز الأمة في فكرها ومشاعرها وتعاملها مع الكون والحياة، فهي ما يحكي حقيقةً عن هويّة الأمة ومظهر أصالتها، وهي المعبّرة عن وجودها وحياتها.
 وعلى مرّ العصور تعمّقت هذه الثقافة وتجذّرت في المجتمع الإسلاميّ شيئاً فشيئاً، واتّسعت دائرتها بعد أن أخذت جهود المسلمين في مجال الفكر والتجارب والدراسات العلميّة تغذّيها وتزيدها عمقاً، يُضاف إلى ذلك: تلك المرونة المتميّزة والاستثنائيّة، التي يمكن اعتبارها من أبرز خواصّ وملامح الثقافة الإسلاميّة، حيث إنّها مرونة في عين أنّها لا تخدش مبدأ الأصالة والعراقة ولا تتنكّر لمكوّناتها الثقافيّة والحضاريّة الأصيلة، في عين ذلك، لا يعيقها شيء عن الانفتاح الفاعل على الثقافات الأخرى، ونريد من الانفتاح الفاعل: الانفتاح الإيجابيّ، الذي لا يقتصر دوره على الانفعال وردّة الفعل، بل يعمل على وفق انتقائيّةٍ مدروسة بشكلٍ منهجيّ وموضوعيّ ومنطقيّ، انتقائيّة عقلانيّة أقرّتها القاعدة القرآنيّة في قوله تعالى: [الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب]..

ومن الواضح أنّ أهمّ العوامل التي لعبت دوراً حاسماً في صيانة الثقافة الإسلاميّة على مرّ التاريخ يتمثل في اعتزاز المسلمين وأبناء هذه الأمّة بهويّتهم، وإحساسهم بمكانتهم وبمسؤوليّتهم على الساحة العالميّة، فهم ـ من وجهة نظرهم التي يستندون فيها إلى تجارب عصر صدر الإسلام، وإلى وعيهم لما يمكن للشريعة الإسلاميّة أن تتركه من آثار ـ قادة مسيرة البشريّة على طريق كلّ كمال إنسانيٍّ وعلميّ، وهم فوق ذلك: هداة، ودعاة، وهم الأمّة الشاهدة على بقيّة الأمم، وهم أمّة الوسطيّة والاعتدال في حركة التاريخ... من دون أن يستلزم ذلك الانغلاق على ما عند الآخرين من العلم والمعرفة والفكر والحضارة، ولو كان في أقاصي الأرض، ومهما كانت المسافات التي تفصل فيما بينهم، كما في الحديث الشهير عن رسول الله(ص): اطلبوا العلم ولو في الصين..

غير أنّ ظروفاً وتعقيدات كثيرة تاريخيّةً وثقافيّةً وغيرها أدّت إلى أن يعيش المسلمون في القرون الأخيرة عصوراً مكفهرّة مظلمة تسودها الهزائم والخيبات المتتالية، وعلى المستويات كافّةً: العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة والعلميّة..

ولكنّ الأفظع من ذلك كلّه: هو انهزامهم النفسيّ أمام التيّارات والاتّجاهات الفكريّة الأُخرى، فقد أدّى تقلّبهم من هزيمة إلى هزيمة إلى أن يفقدوا إحساسهم بالعزّة والانتماء، وإلى أن تُفارقهم مشاعر الافتخار بالهويّة الإسلاميّة الأصيلة المتميّزة، ليفقدوا بذلك شعورهم بالمكانة والدور والمسؤوليّة التي هم جديرون بها، وبديهيّ أنّ ارتكاساً وانهزاماً نفسيّاً كهذا من شأنه أن يمعن أكثر فأكثر في دفع تلك الأمّة إلى مهاوي اليأس والقنوط وانعدام الثقة بالنفس، ما يجعلها تقتنع بأنّها أمّة هامشيّة، لا تمتلك المؤهّلات الكافية، ولا الموارد والطاقات اللّازمة، وبالتالي: فيجب عليها لأجل المحافظة على حياتها أن تستعين بالغرب تارةً، وبالشرق أُخرى، وهو عبارة أُخرى عن ارتهانها للقوى العظمى، وتحوّلها إلى أمّةٍ لا تنتج، بل تستهلك ما ينتجه لها الغير، ولا تفكّر، بل تتلقّى بالقبول كلّ ما يفكّر به الغير..

وقد كانت هذه الهزيمة النفسيّة نتيجةً لـ (غزو ثقافي) مدروس ومخطّط له، جنّد له الغزاة والمستعمرون القدامى جيشاً جرّاراً، ولكن من نوع آخر، هو ليس جيشاً من العسكريّين والمتمرّسين في ساحات القتال، وإنّما هو هذه المرّة جيش من الإعلاميّين ووسائل الإعلام والمستشرقين والأدباء والكتّاب وأصحاب الفنون والمتخصّصين في الدراسات والاستشارات النفسيّة والاجتماعيّة.

هذا الغزو الثقافيّ شكّل غنيمةً بحقّ للقوى الكبرى، حيث كفاهم مؤونة ما كانوا يتكلّفونه من الغزو العسكريّ والمرهق لما كان يجرّه من حروبٍ باهظة الكلفة، وما كان يستتبعه من أحقادٍ وما يستثيره من مشاعر الكراهية للمستعمرين من قبل الشعوب المستعمَرَة والمحتلّة؛ بل إنّ الغزو الثقافيّ أيضاً تقدّم خطوات كثيرة إلى الأمام، حيث جعل المسلمين يقبلون، وعن قناعة بضرورة الخضوع إلى تلك القوى الكبرى واستجدائها، والعيش على فتات موائدها، وصولاً إلى المحاربة تحت لوائها، والتآمر معها حتى على من هم إخوتهم في الوطن والدين!!

وعلى هذا الأساس، ومن خلال قراءة ما يجري حولنا في العالم من أحداث نرى أنفسنا في مواجهة فرصةٍ ذهبيّة قلّ نظيرها، فاليوم تعود إلى الواجهة مفردات الانتصار والصحوة والنهوض والوعي وما إلى ذلك، وتعود مع هذه المفردات تلك المشاعر القديمة التي كادت أن تُدفن للأبد، المشاعر بالعزّة الإسلاميّة وبالفخر بالانتماء إلى هذا الدين، تعود لتتأجّج في النفوس والقلوب، وتعود معها نسائم الثقة بالنفس من جديد، وهو ما نراه السبيل الوحيد لعودة الأمّة إلى طريق العزّة والكرامة والحرّيّة والسيادة، والسبيل الوحيد للتخلّص من هذا الغزو الثقافيّ الذي كاد أن يأتي على مستقبل المسلمين وأملهم بحياة أفضل في ظلّ تعاليم الدين الإسلاميّ. لذلك فإنّنا نحثّ الجميع، كلّ من موقعه، وبحسبه، على ضرورة التفكير مليّاً في كيفيّة استغلال هذه الفرصة السانحة، وعلى أكمل وجه، فالفرص لا تُعطى للإنسان المرّة تلو المرّة، بل هي تزوره، فإن تلقّفها وتشبّث بها، مكثت، وإلّا، رحلت إلى غير رجعة. 

------
علي محسن

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

المرأة.. بين الحقوق المهضومة والهوية الضائعة

للحديث عن دور المرأة ومكانتها في المجتمع الإسلامي مذاق خاص, خصوصاً عندما يتزامن ذلك مع نداءات المرأة المتكررة نحو التحرر والتحضّر, جاعلة من المرأة الغربية قدوة لها, فيما عميت عينها عن تلك المرأة التي جسّدت كل الأبعاد الجمالية والكمالية للمرأة, فكانت بحق هي القائد وهي الأحق بالاتباع, هي الزهراء الطاهرة المعصومة, التي هي امرأة بتمام معنى الإنسان.
نعم, يجري اليوم الحديث عن حقوق مهضومة للمرأة في المجتمع الإسلامي, فهل هذا صحيح؟

نظرة تاريخية


في التاريخ المعاصر شهد العالم الغربي تغيرات واسعة جداً في النظم الثقافية والاجتماعية تماشياً مع التقدم الحاصل في العلوم التجريبية وخاصة على الصعيد الفني والتكنولوجي. وقد كانت البذرة التي أنبتت هذه التغيرات هي الأنشطة الفكرية والعلمية والجهود الثقافية في عصر النهضة, وبعبارة أخرى فإنّه بعدما ولّت القرون الوسطى ظهرت في أوروبا ثقافة جديدة كانت الأرضية للثورة الصناعية, كما كانت الأساس لظهور ظواهر اجتماعية مختلفة.

وبلحاظ المشكلات الكبيرة للمجتمعات الأوروبية مع الكنيسة, على مختلف مذاهبها, تلك المشكلات الناتجة عن الاختلافات التي برزت بين المقامات الروحية من جهة والعلماء والمحققين في العلوم الطبيعية من جهة أخرى, استطاعت الثقافة الجديدة أن تتوصّل إلى فصل الدين وأبعاده كلياً عن الحياة الاجتماعية.

وكان لتطوّر وسائل الاتصال والعلاقات العامّة وانتشارها بين الناس مساهمة فعّالة في ترويج هذه الأفكار وإشاعتها إلى حدّ كبير في المجتمعات الأخرى, ومنها الإسلامية, ناهيك عن توسع ظاهرة الاستعمار, سواء المباشر منه كاحتلال بعض البلدان الإسلامية مثل الجزائر ومصر وغيرها, أو غير المباشر, بمعنى السيطرة على أنظمة الحكم, ورجال الدولة والمقتدرين في المجتمع كما حصل في كثير من بلدان العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر, وما بعده.

في ركب الحضارة


في ذروة هذا الأمر, برزت نداءات مختلفة تنادي باحتذاء النهج الأوروبي للهروب من التخلّف واللحوق بركب التحديث والحضارة. وكنا نسمع من أدبائنا ومثقفينا, بل علمائنا أحياناً, بأن لا نجاة لشعبوبنا الإسلامية إلاّ بسلوك الأوروبيين وتقليدهم في الحياة. وقد عمدت الحكومات في البلدان الإسلامية إلى طلب المساعدة من الدول الغربية في عملية تحديث بلدانها وتمدّنها, وكانت تلك الدول بدورها تشترط إدخال القيم الغربية كبديل عن القيم الإسلامية بحيث يتم فصل الدين عن ساحة الحياة الإجتماعية والسياسية.

ولقد استغل الغرب هذا الوضع لإيجاد الظواهر الاجتماعية المنحرفة عن القيم الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمعات الإسلامية فكان لذلك الأثر الكبير على البنية الاجتماعية والثقافية, وكذا على القيم والسلوكيات العامة ومن ذلك الحياة الفردية والاجتماعية للمرأة وأيضاً العلاقات الأسرية. فتبرّجُ المرأة يعني بنظرها حريتها, ومنافستها الرجل في ميادين العمل حقٌ من حقوقها بل هو كمالٌ لها, وإبراز مفاتنها ومحاسنها استدراراً للمال دورٌ أساسيٌ لها تطمح إليه كل من تريد أن تنال مكانة أو شهرة.

ماذا كانت النتيجة؟


لا يمكن لأحد أن ينكر وجود مشاكل كثيرة لدى المرأة, حتى في المجتمعات الإسلامية. ولكن هل كان الحل السليم والعلاج الناجح باستيراد الثقافة والقيم الغربية؟
لقد كانت نتيجة ذلك أن تضاعفت المشكلة لدى المرأة المسلمة أكثر فأكثر.
أولاً: لأنها صارت ـ ومن خلال التلقين الثقافي الغربي ـ تعتبر الإسلام وقيمه سبباً لتخلّف المجتمعات الإسلامية, والمرأة بشكل خاص, في الوقت الذي تبحث فيه عن دور ومكانة لها في هذه المجتمعات الإسلامية, أو على الأقل الشرقية وهي مجتمعات محافظة كما نعلم.

وثانياً: لأن الثقافة الغربية لم تجد الحلول الكاملة لمشكلات المرأة الغربية حتى في مجتمعها.


ما هو الحل؟


واليوم إنّ أغلب الدراسات والكتابات التي قام بها الباحثون والمفكرون, حتى الإسلاميون منهم, كانت تناقش مفردات المشاكل الناجمة عن التقليد الثقافي والقيمي الغربي. وهذا لا يعالج المشكلة لأنّه في التراث الثقافي والاجتماعي التاريخي لهذا المجتمع, وهذا من مسلمات علم الاجتماع.
وعليه, فلا يمكن تشخيص دور المرأة ومكانتها في مجتمع إسلامي بمعزل عن التراث الثقافي والقيم الإسلامية, وبإعفاء الرؤية التوحيدية للإسلام الشاملة لكل جوانب الحياة.
إنّ الرؤية المادية للحياة السائدة في المجتمع الغربي اعتبرت الاقتصاد هو الأساس, وعلى هذا الأساس فقد حددت الدور الأساسي للمرأة واستخدمت المرأة أسوأ استخدام في هذا المجال. أما الأدوار الأخرى مثل التعليم والتربية ووظائف الأمومة والنشاطات السياسية والاجتماعية فقد كانت ثانوية نسبياً.

وبناءً على هذه الرؤية فقد بقي الإنسان الغربي منسجماً مع رؤيته و نظريته للمرأة. أمّا عندما نطبّق ذلك في المجتمع الإسلامي الذي تسوده الثقافة والقيم الإسلامية والرؤية التوحيدية المنبثقة من عالم الغيب, فالأمر يصبح مختلفاً تماماً.
فالدور الأساس للمرأة هو الدور التربوي وخاصة وظيفة الأمومة فالمرأة كالقرآن, كلاهما أو كل إليه صنع الرجال, ومن أحضان النساء يعرج الرجال إلى الكمال. طبعاً لا يعني ذلك إغفال الأدوار الأخرى, فالمرأة مجالها واسع في ميدان المعرفة, ودورها واسع في نهضة المجتمع بل هو أساسي جداً.

كانت هذه في الواقع إشارة حاولنا فيها إلفات النظر إلى حقيقة دور المرأة ومكانتها في المجتمع المسلم, ودعوة للجميع أن يدرسوا الإسلام, أحكاماً وقوانين, ويتعرفوا على القيم الإسلامية ويرجعوا إلى التراث الفكري والحضاري للمسلمين, فهذا هو الطريق الأفضل للمرأة المسلمة التي تعيش في مجتمعاتنا الإسلامية إذا أرادت أن تشخص لنفسها دوراً أساساً ومكانة اجتماعية مرموقة.

---------------------
حسین خضر

الإنسان والحرّيّة المدنيّة

تعتبر الحرّيّة المدنيّة نتيجةً موضوعيّة لما يمثّله الإنسان بطبيعته من شخصيّة حقوقيّة وقانونيّة مستقلّة ومحترمة، وهي من لوازم كون الإنسان له وجوده المتميّز، وله حياته الخاصّة به.
ومن المسلّمات في ديننا الإسلاميّ، بل وفي الشرائع الإلهيّة عامّةً، أنّ الإنسان له شخصيّته القانونيّة وذمّته الماليّة المستقلّة عن غيرها من الذمم. وحقّ الإنسان بالاعتراف بهذه الاستقلاليّة حقّ طبيعيّ له، وهو داخل في تكوينه وفي مقوّمات فطرته وطبيعة وجوده، وهو حقّ لوجود السلطة والمجتمع نفسه، وبالتالي: فلا يصحّ تجاهله أو إنكاره حتى من قبل السلطة والمجتمع أنفسهما، بل لا بدّ لهما من التعامل معه، وترتيب كافّة الآثار المترتّبة على وجوده.

وفي عصرنا الراهن، اعتبر الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان هذا الحقّ من الحقوق اللّصيقة بالإنسان، فأعلن الاعتراف بالإنسان كشخصيّة قانونيّة مستقلّة وكيان قائم بذاته، له وجوده وحياته الخاصّة به، فقد نصّت المادّة السادسة من هذا الإعلان على ما يلي:

(لكلّ إنسان أينما وُجد الحقّ في أن يعترف بشخصيّته القانونيّة).
ولا نبالغ إذا ما قلنا بأنّ هذا الحقّ بالذات هو نقطة انطلاق الإنسان لممارسة كافّة حقوقه، فهو الأساس المتين الصلب الذي يقف عليه أثناء ممارسته لحقوقه وحرّيّاته؛ إذ بدون الاعتراف به يتعذّر على الإنسان يعامل الآخرين، كما يتعذّر التعامل معه.

إنّ حياة الإنسان الخاصّة هي عالمه الخاصّ به الذي وهبه الله إيّاه، وخوّله السلطة التامّة بأن يسوس هذا العالم ويديره على الوجه الذي يراه مناسباً، ومن دون أيّ تدخّل من غيره، فلا سلطان لأحدٍ عليه في اختياره لمأكله أو مشربه أو مسكنه أو عمله أو زوجه أو مراسلاته أو عواطفه، فحرّيّة الإنسان في ذلك مطلقة ضمن حدود قدرته على تحقيق ما يريد، ولا يقيّدها إلّا التوجيهات الإلهيّة التي تضمّنتها الشرائع والأديان. ولم يضع الله سبحانه وتعالى هذه التوجيهات لتصادر حقّ الإنسان، أو تغلّ يده عن إدارتها، بل رحمةً بالإنسان لحماية سيادته على حياته الخاصّة، وإرشاداً له ومساعدةً على إدارتها وتنظيمها، لتمكينه من ممارسة حقوقه المدنيّة على الوجه الأفضل، ودون أن يصطدم حقّه مع حقّ أيّ أحد.

وقد فرضت الشريعة الإسلاميّة على المجتمع والسلطة والآخرين احترام خصوصيّة الإنسان في حياته الخاصّة، والاعتراف بسيادته عليها.
وهذا ما اعترف به الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان حديثاً، بأنّ لكلّ إنسانٍ حياته الخاصّة، وأنّه لا ينبغي التدخّل فيها أو انتهاكها بأيّ شكلٍ من الأشكال، فقد نصّت المادّة الثانية عشرة من هذا الإعلان على أنّه (لا يُعرَّض إنسان لتدخّلٍ تعسّفيّ في حياته الخاصّة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو انتهاكات لشَرَفه أو سمعته، ولكلّ شخصٍ الحقّ في حماية القانون من مثل هذا التدخّل أو تلك الانتهاكات).

إنّ معنى الحرّيّة المدنيّة عموماً: حرّيّة كلّ إنسان في اختيار وتحديد وإدارة الأمور المتعلّقة بحياته الفرديّة وشؤونه الخاصّة، وعلى الوجه الذي يريد، وبدون تدخّل من الغير، هذا على سبيل الإجمال، وأمّا التفصيل:

1) له الحقّ بالعمل، والحرّيّة في اختيار مجال العمل والمهنة التي يريدها لكسب معيشته، ومعيشة من يعول، فمن حقّه ـ مثلاً ـ أن يختار التجارة أو الزراعة أو أيّة حرفةٍ يريدها، شريطة أن تكون هذه الحرفة أو المهنة نافعةً له على المستوى الشخصيّ، أو نافعةً لمجتمعه، ومباحةً من الناحية الشرعيّة، لعلمنا بأنّ شرائع الله لا تصبّ إلّا في خدمة الصالح الإنسانيّ العامّ، وبكونها لا تحترز إلّا عمّا يمكن أن يُلحق ضرراً بالحياة البشريّة بحسب النوع العامّ. ولكلّ شخصٍ الحقّ في مستوىً من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحّة والرفاهيّة له ولأسرته، ويتضمّن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبّيّة، وكذلك الخدمات الاجتماعيّة اللّازمة.

2) له الحقّ بالسكن، والحرّيّة التامّة في اختيار مسكنه وداره وموطنه الذي يريد الإقامة فيه. وقد خصّص الإسلام تشريعاتٍ خاصّة لحفظ حقّ الإنسان في سكنه، فجعل له حرمة خاصّة، وحرّم على الناس كلّهم، بلا استثناء، أن يدخلوا بيت أيّ إنسان إلّا بعد الاستئناس والاستئذان منه والسلام على أهل ذلك المسكن. ويشمل هذا الحقّ المكان الذي يريد الإقامة فيه أيضاً، فله أن يقيم وأن يتنقّل في أيّ مكانٍ من العالم كلّه، فقبل نشوء الدول المعاصرة وقيام كلٍّ منها بإغلاق أبواب حدودها كان بإمكان الإنسان أن يقيم أينما يشاء، كما أنّ مسألة الجنسيّة اختراع جديد أقرّته الدول لتنظيم أمور رعاياها وتحديدهم تحديداً قاطعاً، ما جعل موضوع الجنسيّة على جانبٍ كبير من الأهمّيّة.

3) لكلّ إنسانٍ الحقّ بالزواج (الشرعيّ)، واختيار الزوج أو الزوجة الذي يريد أو تريد قضاء حياته أو حياتها معه أو معها، فليس لأحدٍ أن يجبر إنساناً، رجلاً كان أو امرأةً، على الزواج أو تركه، وهو حقّ طبيعيّ وهبه الله تعالى إيّاه، وهو سابق لوجود السلطات وتكوّن المجتمعات، ولا يمكن مصادرته أو التدخّل فيه.
4) له الحقّ بالتعلّم، والحرّيّة في اختيار المجال الذي يريد أن يتخصّص به، ويُعدّ الإسلام أكثر الأديان اهتماماً بالعلم وتشجيعاً عليه، يكفينا أن نعلم أنّ المجتمع النبويّ تحوّل بأسره من مجتمعٍ جاهليّ أمّيّ إلى مدرسةٍ أو معهد أو جامعةٍ كبيرة تتّسع للجميع، وكلّ ذلك بفضل الإسلام وتعاليمه والرسول الكريم وإرشاداته.

--------------------
حسن يحيى