الأحد، 1 سبتمبر 2013

الدولة والإرهاب الفكري

من يملك كشف الإرهاب الفكري هم النخب الذين يستطيعون إرغام الدولة على رفع سقف الحرية والدفع بمسيرة التنمية الفكرية والوطنية.
تلعب الدولة بمؤسساتها كافة دوراً محورياً في رسم فضاءات الحرية الفكرية سلباً وإيجاباً. ولعل أهم وظيفة للدولة هي رفع مستوى الحريات وإطلاق العنان للعقل وللتفكير والابداع، خصوصاً في المجالات التنموية التي تدفع بمسيرة التطور وتمنع الركود والجمود السياسي أو الاقتصادي.
ويمارس كثير من الدول، سواء الغربية المتقدمة سياسيا في الممارسة الديموقراطية أو معرفيا أو الدول العربية والاسلامية خصوصاً الخليجية، دورا كبيرا ومحوريا في الارهاب الفكري المتمثل في عمليات القمع والمنع على مستوى المعرفة والاحتكار على مستوى السياسة.
وتمتلك الدولة أدوات عديدة تمارس من خلالها الإرهاب على كافة مستوياته الفكرية، بل تلعب دورا في رسم الذهنيات العامة وفق إراداتها وتصوراتها مستخدمة لذلك الارهاب المعرفي تارة والارهاب السياسي تارة أخرى، بل قد تكرس إرهابها السياسي لخدمة الارهاب المعرفي، لكون العقل المنتج للأفكار والقادر على السباحة في جميع الفضاءات هو عقل يملك القدرة على توعية الجمهور وعلى محاسبة السلطة ومؤسساتها، بل عقل قادر على الانتاج المعرفي في جميع المجالات، خصوصاً السياسية التي تعنى بسياسة الدولة داخليا وخارجيا، ويكون قادرا على مراقبة أدائها ومحاسبتها حاشدا خلفه جمهورا من الواعين طالما سقف الحريات عال والعقل متألق فكريا.
ولكن الدولة تمتلك آليات مختلفة قد تكون غير مباشرة في ممارسة الارهاب الفكري وبعض هذه الاساليب تعتبر ناعمة وغير ملموسة إلا عند فئة من النخب، فقد ترفع الدولة سقف الحريات ولا تمارس عملية القمع والمنع ولكن لكونها تملك أدوات مهمة في الدولة فإنها تكون قادرة من خلالها على رسم خطوط غير مرئية تستخدمها لرسم الافكار وإعادة صياغة ذهنية الناس وتوجيه العقول باتجاه ما ترسمه هي من سياسات وما تتبناه من رؤى وأفكار، يكون ظاهرها حرا وباطنها يستعبد العقول لها لتقودها حيث تريد وهو من أخطر أنواع الارهاب الفكري الناعم. ومن أبرز وأخطر هذه الأدوات هي وزارة التربية والتعليم والتي من الممكن أن تلعب دورا خطيرا في الارهاب الفكري الناعم.
فالمنع المباشر إذا مارسته الدولة له تداعيات عكسية عليها تدفع بالنخب لمواجهتها وتكون قادرة على تحشيد الجماهير خلفها، وبالتالي يتحول المنع إلى كسر للقيود والموانع ولتثوير تلك الأفكار وتوليدها وإعادة صياغتها كرؤى يتبناها الجمهور ويضغط لتطبيقها عليها.
وللدول أسلحة عديدة تمارس من خلالها الارهاب الفكري، منها الاعلام والقضاء والبرلمان بل قد يتحول القانون إلى أداة طيعة في يد السلطة لاستخدامه في ممارسة هذا الارهاب، بل حتى المؤسسة الدينية تتحول إلى أداة سلاحها الفتوى لتمكين السلطة من ممارسة إرهابها.
ولكن هل النخب والمثقفون واقعا يلعبون دورا في كشف هذا الإرهاب وأدواته أم يقع جلهم كأداة لها في ممارسة الارهاب الفكري بل هو بنفسه يمارسه؟

المؤسسة الدينية والغرق في وحل الإرهاب

المؤسسة الدينية الصرح الأكثر تأثيرا في عوالم الإنسان كافة، وفي تحريك تلك العوالم، خصوصاً في عالمي السياسة والاجتماع، لما للدين من أثر سحري يتناغم مع فطرة الإنسان التي جبل عليها، ونزوعه دوما نحو جهة متعالية تهيمن فيطيعها ويتبع.

وبحجم أهميتها القصوى ونفعها تكمن أيضا خطورتها، إذ يطالعنا التاريخ بحكايات وقصص دموية كانت رايتها الدفاع عن الدين والعقيدة، قادها رموز منتمون إلى المؤسسة الدينية بسلاح الفتوى، حيث تحالفت الفتوى مع المال والنفوذ ضد آدمية الإنسان.
ويطالعنا أيضاً التاريخ نفسه بجهة مشرقة للمؤسسة الدينية لعب علماؤها دورا بارزا في الارتقاء بآدمية الإنسان لتكون العلاقة بين الإنسان والدين علاقة تبادلية، فكلاهما يخدم الآخر وينفعه ويحرسه طالما وظف الدين لمصلحة الناس وليس لمصلحة المؤسسة الدينية وعلمائها.
واليوم نعيش الصراع نفسه بين جبهتين في المؤسسة الدينية، جبهة توغلت في الإرهاب وسخرت فتاواها لدعمه وترسيخه، سواء كان فكريا تعدديا أو سياسيا تداخل فيه العقدي مع السياسي تداخلا سلبيا جالبا للتكفير والقتل وانتهاك آدمية الإنسان والنداء «الله أكبر» وبدعم من زعامات دينية بفتاوى باتت تباع في سوق نخاسة الارهاب.
إضافة الى ممارسة من تمترسوا بدراسة الدين وحولوا أنفسهم من علماء مؤتمنين وظيفتهم هداية الناس وحفظ كراماتهم والدعوة بالتي هي أحسن من دون أن يجعلوا من أنفسهم ميزانا ومرجعا معياريا لأحد، إلى إله يحاسب البشر ويصنف الناس بين الجنة والنار، ويقمع كل محاولات التعدد الفكري وحرية التفكير والتعبير بحجة الدفاع عن الدين والعقيدة، متناسيا أن الظلم أشد فتكا عند الله.
وجبهة ما زالت، رغم كل ما يمارس ضدها من إرهاب الجبهة الأولى دينيا، وإرهاب الدول سياسيا وإعلاميا، تصر على المضي في طريق الاصلاح السياسي ودعم مسيرة التحرر من كل أنواع الاستعباد والارهاب السياسي والعسكري والفكري، وحولت الفتوى الى سلاح بيد الإنسان ولخدمته لا لسلاح على رقبته.
حينما توغل المؤسسة الدينية في الارهاب وتلطخ عمامتها بدماء الناس وتتورط في تلويث سمعة الشرفاء، فعلينا تقع مسؤولية مواجهتها ورفع شرعية المقبولية عنها، ونزع كل هالات القداسة عن منتسبيها الذين انحرفوا، بل نزع تلك العمامات كي لا تلوث بوحل أصحابها.
فالمؤسسة الدينية مرجعية للإنسان فقط حينما تكون هي مدركة لآدميته وحفظ كرامته وفق مقاصد السماء لا مقاصد الأرض، وتؤمن بحقه أن يختار وإن خالف اختياره ما تريد وأن يقول «لا» حتى لها.

النخبة والإرهاب الفكري

النخبة هي منتج الفكر والمعرفة للمجتمع، لكن هناك بعض النخب تميع الحقيقة وتمارس ارهاباً فكرياً لتفرض رؤيتها.
النخبة تقود الرأي العام وتؤثر فيه وتشكل اتجاهات الرأي العام وتوجهات المجتمع، وتمارس نفوذا بفضل مواهبها الفعلية أو الخاصة المفترضة.
ويفترض في هذه النخبة أن تتولى مسألة حماية الحريات والحقوق العامة والتصدي للفساد في الدولة ومؤسساتها وتسعى دوما لتكون في مقدمة المطالبين والمنفذين لتطبيق القانون ورفض كل أشكال التمييز المناقض للعدالة، ورفض التعاطي بمعايير مزدوجة في القضايا الوطنية وقضايا المجتمع المتعلقة بحقه كمصدر للسلطات أو حقوقه العامة كما تدفع باتجاه ترسيخ ثقافة تأدية الواجب الوطني، وتواجه النخبة كل محاولات الارهاب الفكري من أي جهة كانت.
ولكن واقع النخبة في أغلب الدول العربية ومنها الكويت يعاني أولا من التباس في حقيقة تجسد المصطلح وفي حقيقة الممارسة وفق ما يجب أن تكون عليه النخبة، خاصة في ما يتعلق بمسألة الارهاب الفكري كونها المعنية كنخبة في إنتاج المعرفة والأفكار وتسريتها لكافة أفراد المجتمع.
فهناك اصطفاف حقيقي للنخبة قائم على أساس مذهبي وقبلي وعنصري، تتعامل فيه هذه النخب وفق ازدواجية معايير فاضحة، بل تمارس بنفسها عملية الإرهاب الفكري من خلال قمع كل أشكال الاختلاف في الرأي ومحاولة فرض وجهة نظر واحدة وموجهة وفق ما تقتضيه مصلحتها السياسية خاصة.
بل تعمد بعض النخب لتمييع الحقيقة وخلط أوراقها بالزيف فقط لتمارس إرهابا في بسط نفوذها العقلي وفق رؤيتها الخاصة، ومبدؤها: من لم يكن معي فهو ضدي.
وغالبا ما تنتقض هذه النخب عملية ازدواج المعايير التي تمارسها نخب من فئات أخرى، إلا أنها واقعا تلجأ هي للممارسة نفسها في ازدواجية المعايير إما تحت ضغط إرهاب الجماهير أو ضغط إرهاب النخب التي تدخل في خصومات سياسية تتطلب منها مواقف غير مبدئية وإنما سياسية يدور قطب رحاها حول المصلحة لا المبدأ.
وبعض هذه النخب تصبح هي أداة للإرهاب الفكري في يد الدولة أو الرموز، وبدل أن تكون النخبة أداة بناء ووعي واستقامة تقود الجماهير نحو التقدم، تتحول لمعول هدم وتجهيل وقمع فكري تشرف بنفسها على رسم خارطة قناعات الجمهور بما يتناسب ومصلحتها، بل يصبح الجمهور هو من يفرض رؤيته عليها وتخضع هي لذلك.
وتتجلى ممارسات الارهاب الفكري للنخبة في رفض التعدديات الفكرية والعقدية وفرض وجهة فكرية أحادية خاضعة لعوامل التغيرات السياسية التي تنبني في تفاعلاتها مع الراهن على أساس مذهبي وقبلي وليس على أساس مبدئي.
وبعد كل هذا الارهاب الفكري لكثير من النخب، هل يمكن أن نطلق على هؤلاء مصطلح «النخبة»؟ أم أنهم واقعا هم «نكبة» على عقل الأمة؟

التعدّدية الدينية

تحديد المصطلح والمفهوم
ليس هناك أي إبهامٍ  في المدلول اللغوي لمصطلح البلورالية (بلوراليسم)؛ فـ PLURAL تعني الكثرة والجمع، والبلورالية تعنـي القبول بهذه الكثرة والتعدد.
إن الاصطلاح المعروف للبلورالية مستمدٌّ من الثقافة الغربية، فقد كان متداولاً في البداية في العرف الكنسي، بحيث إنهم كانوا يطلقون كلمة البلورالية بحق ذاك الشخص الذي يمتلك عدة مناصب كنسية.
بيد أن هذا الاصطلاح قد اكتسب مدلولاً معاصراً آخر في الميدان الثقافي وصار يعني في المجال الفكري والديني ضرورة تقبّل العقائد والمناهج المختلفة. فبعد اتساع مجال الارتباط بين المجتمعات المختلفة لا سيّما بعد الحروب الدينية والمذهبية الشديدة (أعم من الحروب الصليبية بين المسيحيين والمسلمين والحروب بين أتباع المذاهب المسيحية أنفسهم والتي ما تزال مستمرةً حتى اليوم بين الكـاثوليك والبروتستانت سيما في أيرلندا التي تمثل نموذجاً بارزاً في هذا الإطار في الفترة الأخيرة) وبعد الآثار السيئة جداً التي خلّفتها هذه الحروب، بعد كلّ ذلك تعزّز الاعتقاد بضرورة الاعتراف بالمذاهب الأخرى والدخول في مرحلة السلم معها، وبأن حصول الانسجام بين المذاهب والمدارس الفكرية المتعددة يصب في مصلحة المجتمع كلّه، فهذه الحروب فرضت تقبل المصالحة بين الأديان وذلك بهدف – لا أقل – تخفيف الأرضية الباعثة على اندلاعها واشتعالها.
معاني التعدّدية الدينية
من الواضح انه لا يوجد تعريفٌ كاملٌ وجامعٌ للخصوصيات المتّفق عليها للتعددية يمكن أخذه هنا، إلا أننا سوف ندرس ثلاثة أنواعٍ من الاستخدامات لهذا المصطلح وهي:
المعنى الأوّل:
1 – المداراة والتعايش السلمي الهادف إلى الحيلولة دون وقوع الحروب والخصومات، وبعبارةٍ أخرى إنّ التعدّد والكثرة يجري قبولهما هنا كواقعيّةٍ اجتماعية؛ إذ إنه ليس في صالح المجتمع أن يعمل كل طرفٍ على إلغاء الآخر بل المطلوب هو أن يكون هناك نوعٌ من التعايش دون صيرورة الجميع شيئاً واحداً.
إن هذا النوع من التعددية لا يعني بالضرورة أننا نقول بالكثرة في عالم الحقيقة، بل الكثرة هنا إنما هي على مستوى الواقع الاجتماعي والتي لا تنافي اعتقاد كل فئةٍ بأنّها على الحق، أي أن كل فئةٍ تعتبر نفسها من الناحية النظرية على حقٍّ فيما الآخرون على باطل، أما من الناحية العملية فإنها رغم ذلك تنسجم مع الآخرين.
هذا هو أحد معاني التعددية الذي  يمكن أن يكون له حضورٌ في مجالات عديدة.
فعلى المستوى السياسي من الممكن أن تكون هناك أحزابٌ متعددةٌ تؤمن بمبادىء إعتقادية مختلفة وتدافع عنها إلا أن هذه الأحزاب لا توقع الخصام فيما بينها؛ فمثلاً بعد الحصول على أكثرية الآراء يقوم ـ عملياً ـ حزبٌ أو ائتلاف أحزابٍ بتشكيل الحكومة، وهذا هو تقبل وتحمّل الآخرين على الصعيدين السياسي والاجتماعي. إلا أن الاعتقاد النظري لكل فريقٍ بتصوّراته ومبانيه الفكرية ما يزال ـ مع ذلك ـ قائماً، بل حتى الصراع في دائرة الكتب والنشريات ومجالس البحث والمناظرات هو الآخر ما يزال موجوداً، فكلّ شخصٍ يدافع عن اتجاهه ويصرّح بأنّ النظريات الأخرى غير صحيحةٍ بنظره، إلا أنّه في مقام المعاشرة الاجتماعية والسياسية يبدي تعاوناً مع الآخرين.
وهكذا الحال في إطار الأديان والمذاهب فإن الفرقتين الدينيتين أو المذهبيتين في عين الوقت الذي تختلف فيه توجهاتهما الخاصة تقومان باحترام بعضهما البعض وتتجنبان عملياً أي نوعٍ من المواجهة والتخاصم؛ فمثلاً الشيعة والسنّة في العالم الإسلامي لابد لهما من العيش في أجواءٍ من المداراة والأخويّة، نعم هناك من يعتقد بأنّ أتباع المذهب الآخر لا بد أن يزالوا من على خارطة الوجود، ومثل هذه التوجّهات كان لها وجودٌ في الماضي وما يزال لها وجود اليوم أيضاً بدرجةٍ أو بأخرى في بعض المناطق، فهناك التعصب الشديد الذي يرى أن المذاهب الأخرى خارجةٌ عن الإسلام كلياً ويعتبر أن أتباع هذه المذاهب هم مشركون وينسب إلى أكثرية المسلمين ـ وبكل بساطةٍ ـ الشرك والكفر والإلحاد، إلاّ أنّه وفي مقابل ذلك هناك من يرى أن المذاهب الأخرى يمكن قبولها وهذا هو التعايش، أي أنه يمكن أن تمارس الحياة الإسلامية مع هؤلاء، وذلك مع اعتقاد كلّ إنسانٍ بأنّ نظره هو الصحيح فيما رؤى الآخرين ليست كذلك، ومع ذلك فهناك نوعٌ من التعايش الأخوي في المجال العملي.
هذا هو أحد مفاهيم التعددية وهو من وجهة نظرنا مقبولٌ تماماً وهو مورد قبول الإسلام أيضاً.
إننا نقبل بهذه التعددية بين فرقتين من مذهبٍ واحدٍ أو مذهبين من دينٍ واحدٍ أو بين دينين إلهيين؛ فمثلاً أتباع الإسلام والمسيحية واليهودية ليس هناك من تصادمٍ مباشرٍ بينهم بل أنهم يتعايشون بكل احترامٍ وأدبٍ في ظل حياةٍ مسالمةٍ، فهم يتباحثون ويتناظرون فيما بينهم وهم مع ذلك متقاربون متجاورون وهناك تلاقي بينهم وتجارة. وعلى كلٍّ فهذا النوع من التعددية لا ربط له بالفكر والنظر.
إذا فسّر أحدٌ التعددية بهذا الشكل فإن هذا المعنى موجودٌ في الإسلام، فهناك تأكيدٌ في القرآن الكريم وفي سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع) على العلاقات بين الفرق الإسلامية المختلفة. إنّ شعارنا هو وحدة الشيعة والسنة، وهذا الموضوع مطروحٌ منذ زمن الأئمة (ع) فقد كان يجري تشجيع الشيعة وأهل السنة على المشاركة في الصلاة وتشييع الجنائز وسائر الأمور الأخرى التي تقوم بها كل فرقة؛ وكذلك تشجيعهم على الذهاب لعيادة مرضى بعضهم؛ وإذا كانوا قادرين على المساعدة فليفعلوا، وأمثال هذه النصائح والتوجيهات التي كان لها وجودٌ ـ ومنذ صدر الإسلام ـ بين الفرق الإسلامية المختلفة وكذلك بين الأديان المختلفة أيضاً.
إنّ لدينا آياتٍ كثيرةٍ في هذا المجال ناصّةٍ على أنه “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم” إن الله لا ينهاكم عن الارتباط مع هؤلاء، أي فليكن لكم معهم روابط صداقةٍ وإحسانٍ، وكذلك من الضروري أن يكون سلوككم معهم سلوكاً عادلاً. إن هناك آياتٍ صريحةٍ بهذا الخصوص ولسنا بحاجةٍ إلى الآيات المتشابهة والتي يوجد خلافٌ في تفسيرها. وعلى أي حال فهذا الأمر يعدّ من قطعيات الإسلام وليس هناك من شكٍّ بين العلماء المسلمين ـ سواءٌ الشيعة أو السنة ـ على أن الإسلام يوافق على تعايش سلمي مع أهل الكتاب. من الطبيعي أن هناك تمايزاتٍ ناشئةٍ عن قبول أهل الكتاب بذلك، إذ إنهم يعملون طبق قوانينهم، أما المسائل المشتركة والعلاقات المتبادلة فهناك حلولٌ أخرى لها؛ فهل يدفعون الضرائب الإسلامية أو لا؟ إن المسلمين يدفعون هذه الضرائب طبقاً لوظائفهم الشرعية ويقدّمون الخمس والزكاة بنية القربة، إلا أنه ماذا يفعل أولئك الذين لا يشعرون بأن الخمس والزكاة من وظائفهم الشرعية؟ لقد طرح فيما يتعلق بهم تأدية الجزية، وهذه مباحث مختلفة يجري طرحها في الفقه والحقوق، إلا انه وعلى كل حال فقد جرت الموافقة على وجود تعايشٍ سلميٍّ بين عدة أديانٍ إلى جنب بعضها البعض.
يستند أولئك الذين يطرحون موضوع التعددية إلى شواهد من هذا القبيل، ولعلهم يقولون بأن الإسلام قد قبِل اليهود والنصارى، فهم يعتمدون على هذه الآيات نفسها بيد أنهم مع ذلك يخرجون بنتائج مغايرة، فهم يستنتجون مثلاً المعنى الثاني أو الثالث للتعددية في حين أن تلك المعاني لها وضعها الخاص الآخر والذي سنبحث فيه إن شاء الله تعالى.
المعنى الثاني
2 – إن هناك ديناً واحداً جاء من الله تعالى إلا أن له مظاهر متعددة؛ فالمسيحية واليهودية والإسلام ـ بالمعنى الخاص له ـ وكل الأديان ما هي إلا مظاهر لحقيقةٍ واحدةٍ؛ فالاختلاف ليس قائماً في جوهر الأديان وإنما هو في فهم الدين، فهناك من فهم ذاك الأمر الإلهي بصورةٍ خاصّةٍ فصاروا يهوداً، وهناك مجموعةٌ أخرى فهمت بشكلٍ آخر وأصبحت مسيحية، فيما فهمه جماعةٌ آخرون بشكلٍ ثالثٍ وأصبحوا على ضوء ذلك مسلمين، فالحقيقة واحدة هنا، أما الحقيقة العارية فليست بيد أحد، وإنما يقوم كلّ شخصٍ بإدراك مظهرٍ من مظاهر هذه الحقيقة الأمر الذي يكون من وجهة نظره صحيحاً.
إنّ البحث في الصحة والبطلان ليس له معنى من الأساس، فعلينا أن لا نقول بأن هذا المذهب صحيحٌ وذاك باطلٌ أو أن هذا الدين صحيحٌ وذاك باطلٌ، فهذه الأبحاث ليس لها مكانٌ أصلاً، وذلك لأن كلّ شخصٍ يحصل على إدراكٍ لهذه الحقيقة طبقاً لذهنيته وظروفه الخاصة.
هذا الكلام خطأ طبعاً؛ وإلا فلماذا تعرّض الأنبياء لأتباع الديانات السابقة؟ فهذا القرآن الكريم يتكلّم عن المسيحية مثلاً ويقول: “كبرت كلمةً تخرج من أفواههم” أي إنّ هذا الكلام الذي تقولونه من أن الله له ولدٌ هو كلامٌ خاطىء جداً وهو افتراءٌ عظيم، أو “تكاد السماوات يتفطّرن” (من مثل هذا الكلام)، إن هذا تعرّض للأديان الأخرى، فما هو العمل مع ذلك؟ لقد هيئ أصحاب هذا التفسير للتعددية جواباً لهذا الأمر، غايته أنهم قد لا يرون صلاحاً في التصريح فيتكلّمون عن طريق المواربة وأحيانا تكون هناك ظروفٌ تجعلهم يتكلّمون بصراحة.
إن جوابهم هو أن ما بأيدينا ليس كله كلمةً كلمةً من الوحي الإلهي، فإنّ النبي ـ أيّ نبيٍّ ـ يتلقّى الوحي وفقاً لذهنيته الخاصة، ومن الممكن أن يكون قد حصل عنده اشتباهٌ في هذا الأمر بحيث لا يكون الله تعالى قد قاله ومع ذلك فالنبي قد تلقاه على هذه الشاكلة. إذاً فحتى الأنبياء أنفسهم من الممكن أن يكون قد حصل لهم اشتباهٌ في فهم هذه الحقيقة، وأساساً ليس هناك ما يضمن صحّة فهمهم، فهم بشرٌ أيضاً وفهمهم هو فهمٌ بشريٌّ ومرهونٌ بظروفهم الذهنية الخاصة، وهذه الظروف والشروط مرتبطةٌ بمعارفهم التي حصّلوها عن طريق العلوم الأخرى.
وعليه فالمعرفة الدينية ـ حتى معرفة الأنبياء ـ تابعةٌ للمعارف العلمية، السياسية، الاجتماعية، وللقيم الحاكمة على المجتمع؛ فإن مجموع هذه الأمور هو الذي يولّد فهم الإنسان، وبناءً عليه تأخذ التعددية لنفسها هنا معنى آخر، فان الظاهر منها هو أن هناك اعترافاً بوجود حقيقةٍ واحدةٍ وثابتةٍ إلا أن عمق المسألة هو في عدم قدرة أي إنسانٍ ـ حتى النبي ـ العثورَ على هذه الحقيقة، فحتى الأنبياء ليس لديهم إمكانات ذلك، وبالتالي فالحقيقة لله تعالى فقط.
وفقاً لما تقدّم يطرح التساؤل التالي نفسه وهو أنه كيف نثبت الله تعالى نفسه؟ فهل مثل هذا الشيء يقبل الإثبات أم لا؟ وكيف يمكن إيجاد الرابطة معه؟ أساساً هل يمكن أو لا؟ إن ذلك بحثٌ آخر والظاهر أنه لا جواب له.
لنفرض أن الله تعالى موجودٌ وأنّ الوحي عبارةٌ عن أمرٍ واقعيٍّ إلا أنه على أي حال فانهما خارجان عن متناول أيدينا ولا يدخلان في دائرة معارفنا، فإن الشيء الذي يقع بأيدينا إنما هو حصيلة استنتاجات الأنبياء أنفسهم فحسب، فعلى المستوى الإسلامي مثلاً يمكن القول بأنه ما أكثر الاستنتاجات التي خرج بها نبي الإسلام (ص) من الوحي قبل 1400 سنة، والتي كانت تابعةً لمعارفه الطبيعية، المادّية، الاجتماعية، ولقيم زمانه التي كان يرجع إليها، إلا أن العلوم اليوم قد أبدت تطوراً، ففيزياء اليوم متفاوتةٌ تفاوتاً كبيراً مع فيزياء الأمس، وعلم الفلك اليوم صار يمتلك نظرةً أكثر واقعيةً من علم الفلك القديم، وبناء عليه يمكننا نحن أن نفهم بشكلٍ أفضل بكثيرٍ مما فهمه الأنبياء أنفسهم.
وعلى أي حال فإن ما يستحصله الإنسان حتى الأنبياء لا يمكن أن يحوز على الصحة والضمانة المطلقة، فليس هناك حقيقةٌ إلهيةٌ ثابتةٌ، وهذه الحقيقة ليست في متناول يد أحد، والشيء الذي يقع تحت تسلّطنا إنما هو مجموعةٌ من الأفهام المختلفة التي لا يمكن أن ندعي وبصورةٍ قاطعةٍ ما هو الصحيح أو الأفضل منها. نعم يمكن ترجيح فهمٍ على فهمٍ آخر من خلال مجموعةٍ من القرائن، فمثلاً ـ مع الأخذ بعين الاعتبار التطوّر الواسع للعلوم المعاصرة ـ يمكننا القول بأن فهمنا أفضل من فهم القدماء، لكن في النهاية كلّ إنسانٍ لديه فهمٌ خاصٌّ عن دينه، فأتباع المسيحية واليهودية والإسلام كل واحدٍ لديه فهمٌ خاص به، ولا يمكننا أن نجعل واحداً من هذه الأفهام أرجح من الآخر، فليس هناك صراطٌ مستقيمٌ واحدٌ، وإنما طرقٌ مستقيمةٌ ومختلفةٌ كلٌّ منها يمكن اعتباره صحيحاً، وبعبارة أخرى تؤثر الظروف (كالظروف العلمية الحاكمة على المجتمع، الأوضاع المادية، المحيط الاجتماعي) في إيجاد فهمٍ لدى فردٍ ما بحيث يعتبره صحيحاً فيما ينفي وجود طريقٍ آخر.
هذه التعددية تعني القبول بعدة أشكالٍ للفهم وعدة أنواعٍ للاستنتاج وعدة أنماط أيضاً للمعرفة بحقيقةٍ واحدةٍ، حتى لو كانت متضادّةً مع بعضها البعض.
طبعاً “الحقيقة الواحدة” ليست سوى مجرّد فرضٍ نفرضه نحن هنا، وإلا فمـا نقولـه من الحقيقـة الواحـدة إنما يمثل الحـد الأعلى من فهمنا نحن، وهو فهم خاص بنا ولعله ليس صحيحاً أيضاً. إذا كان هناك مثل هذه الحقيقة الواحدة فهي ليست في متناول أيدينا والشيء الذي في متناولنا إنما هو الأفهام المختلفة والتي لا ترجيح بينها. وبناءً عليه فلا بد من قبول الجميع، وتصحيحه، وتجنّب الحديث عن فهمٍ خاطىء.
ووفقاً لذلك لا يحق لنا القول بأن المسلمين يفكّرون بشكلٍ أصحّ من المسيحيين أو العكس، وأساساً ليس هناك فيما نحن فيه معنى للجيد وغير الجيد، الصدق وعدم الصدق، وليس ثمة دليل على ترجيحٍ واحدٍ على آخر، أو التعصّب والحديث عن ضرورة صيرورة الآخرين مثلنا وأن يفكّروا على طريقتنا.
وهكذا الحال داخل دائرة الدين الواحد أيضاً فلا ترجيح لمذهبٍ على آخر، كما لا يوجد دليلٌ على اعتبار هذا الاستنتاج مقدّماً على ذاك أو هذا المسلك مرجّحاً على الآخر.
المعنى الثالث
3 – ليس هناك من حقيقةٍ واحدةٍ؛ أي أنه ليس هناك حقيقة واحدة حتى بالشكل المتقدم المفروض لها، بل الحقائق نفسها متعدّدة وكثيرة.
لقد كان التفسير الثاني المتقدّم يفترض وجود حقيقةٍ واحدةٍ ـ باسم الإسلام ـ مقبولةٍ ومعترفٍ بها عند الله تعالى على أنّها الحق، غايته أنها ليست في متناول أيدينا، ولهذا يمكن القول بأن كل ما يفهمه أي شخص هو حق. أما الرؤية الثالثة هنا فهي رؤيةٌ مختلفة؛ إذ تقول بأنه أساساً ليس هناك ـ حتى باطناً وواقعاً ـ حقيقة واحدة بل الحقائق كثيرة.
يختزن هذا النوع من التعددية إشكالاتٌ أكثر؛ إذ إننا نواجه هنا تناقضاً، فلا يمكن القول بأن الوجود والعدم، الصدق والكذب، متجامعين، كما لا يمكن القول بأن الصدق صدقٌ والكذب صدقٌ أيضاً، وهكذا لا يمكن القول بأن التوحيد صحيحٌ والشرك صحيحٌ أيضاً وأنّهما مترافقان في الحقيقة.
إن التعددية من النوع الثالث مستهجنة وغير مستساغة أبداً وهي أكثر إثارةً للتعجب من النوع الثاني لها، فإنها تقول بان كلا القولين في الواقع صحيحان، وهذا النوع من التعددية مذمومٌ جداً إذ إنه يذهب إلى أن العقائد المتناقضة كلّها حقيقية ومعتبرة حتى مع قطع النظر عن اختلاف أفهامنا.
الصيغة المعدّلة للمعنى الثالث للتعددية
نعم هناك شكلٌ معدلٌ لهذا النوع من التعددية يمكن اعتباره بمثابة نوعٍ رابعٍ لها، إلا وهو أن الحقيقة عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأجزاء والعناصر التي يمكن العثور على واحدٍ منها في كلّ دينٍ من الأديان، ومن هنا فالحقيقة ليست أمراً وحدانيّاً متعلّقاً بموضوعٍ واحدٍ، وبالتالي فليس لدينا دين جامع، وإنما مجموعة من الأديان تشتمل على حقيقةٍ واحدةٍ بحيث إنّ كلّ واحدٍ منها يشتمل على بعضٍ من هذه الحقيقة؛ ففي الإسلام يمكن العثور على قسمٍ من هذه الحقيقة فقط، ويمكن العثور على قسمٍ آخر في المسيحية، وعلى قسمٍ ثالثٍ في اليهودية، ورابعٍ في عبادة الأصنام. وباختصار ليس هناك أي دينٍ يمكن أن يكون جامعاً للحقائق كلّها وخالصاً من الباطل كلّه، وكذلك لعله ليس هناك أي دينٍ لا يمتلك أي سهمٍ من الحقيقة.
هذه التعددية تعني أنه يمكن العثور على قسمٍ من الحقيقة في دينٍ ما؛ ومن هنا فلا يمكن للمسلم ولا لأي شخصٍ آخر أن يقول بأن ديني قد وصل إلى الحقيقة كلّها. هذه هي الصيغة المعدّلة لنظرية التعددية ذات النوع الثالث.
حسناً، في النظرية الثالثة كانوا يقولون بالنسبة لقضيةٍ واحدةٍ (ذات موضوعٍ ومحمولٍ واحدٍ) مثل “الله واحد” أو “الله متعدّد” يقولون بأن الاثنين صحيحان، فالله واحدٌ قضيةٌ حقيقيةٌ، وكذلك الله غير واحدٍ أيضاً قضيةٌ حقيقيةٌ!! فهل من الممكن أن يكون هناك من يعتقد بمثل هذا الكلام؟! أو أن القائل به في الحقيقة ليس إلا الشكاكون.
إن الشكّاكية ناشئةٌ عن رؤيةٍ معرفيةٍ لهؤلاء الأفراد الذين يقولون بأن التناقض غير محال أساساً. لقد بينتُ بأن هذه النظرية تعد من النظريات القبيحة؛ لأن الفهم العام للبشر ـ وكل العقلاء والسالمين ـ لا يمكنه القبول بمثل هذا الكلام، فإن هذه التعددية تستلزم التناقض، إلا انه وعلى أية حال هناك أفرادٌ عديدون من البشر وعلى مرّ التاريخ كانوا يعيشون في أجواءٍ من هذا القبيل، فهناك عل سبيل المثال من ظهر وقال بأنه ليس هناك وجود أصلاً (غورغياس)، وإذا كان موجوداً فهو غير قابل للمعرفة، وعلى تقدير كونه قابلاً للمعرفة فهو غير قابلٍ للتعريف للآخرين. هذه الكلمات أطلقها شخص (يعتبر ويسمّى فيلسوفاً)، وقد طرحت في الكتب الفلسفية، ومن الطبيعي أن مثل هذا الشخص الذي يرى أن الوجود لا واقعية له، وأنّه من الأساس غير قابلٍ للمعرفة سوف يذهب ـ وبكل بساطةٍ ـ إلى القول بإمكانية التناقض.
لقد تقدّم أنه لا توجد لدينا أية مشكلةٍ مع المعنى الأوّل للتعددية، فقد قبل الإسلام التعايش السلمي مع الأديان الإلهية (دون الشرك)، بل يمكن وفي ظروفٍ معينةٍ توقيع معاهدة تعايشٍ سلميٍّ بين المجتمع الإسلامي والمجتمع المشرك، بحيث انه ما دام الطرف الآخر غير متخلّفٍ عن هذا التعاقد فان رعايته من طرف المسلمين تكون واجبةً، وهذه مسألةٌ مذكورةٌ في أحكام العلاقات الدولية للإسلام، كما كان الحال في ذاك التعاقد الذي كان حاصلاً بين المسلمين والمشركين في صدر الإسلام إلا أن المشركين قاموا بخيانته.
إن الإسلام يقول بأنه مادام الطرف الآخر ملتزماً بتعهّداته فعلى المسلمين أن لا يخلّوا بهذه التعهدات. إذاً فالتعايش السلمي مع الأديان الإلهية وحتى المشركين موجودٌ في الفقه الإسلامي، وحتى في داخل الحكومة الإسلامية (اليوم) هناك في الجملة نوعٌ من التعددية المعترَف بها بين الأديان الإلهية، إنّنا نحن المسلمين نعرف ونخبُر الفرق والمسالك المختلفة في المذهب الواحد وأيضاً الفتاوى المختلفة داخل المسلك الواحد، وهو أمرٌ ليس جديداً علينا.
هذا هو المعنى الأول للتعددية القابل للتأييد.
أما المعنى الثاني للتعدّدية والذي يمنح عدة نظرياتٍ في عرض بعضها البعض الاعتبارَ والقيمةَ، فيمكن قبوله بشكله الساذج (ولو أن البعض ليس مائلاً لسماع ذلك)؛ وذلك لأننا في ديننا نملك مجموعةً من الضروريات والقطعيات التي إذا أنكرها شخصٌ ما فإنه يكون خارجاً عن الدين، وإذا قبلها فإننا نحسبه مندرجاً في سلك المتدينين، إلا انه وبغض النظر عن هذه المحكمات والضروريات فان لدينا اختلافاً في بعض المسائل الجزئية؛ فمثلاً في الفقه الشيعي هناك نظرياتٌ فقهيةٌ مختلفةٌ داخل إطارٍ معين، فالذي يخرج عن هذا الإطار يكون خارجاً عن مذهب الشيعة، أي أننا لا نعتبره  شيعياً من الناحية النظرية، كما هو الحال في إنكار شخصٍ ما أصلاً من أصول الإسلام فإننا لا نعتبره مسلماً، إلا أنه توجد داخل أطر القضايا المحكمة للمذهب مجموعةٌ من المسائل تعدّ نظريةً (غير بديهية)، أي إنه بالرغم من أن كلّ الشيعة يؤمنون بالأئمة الاثني عشر، إلا أن هناك افتراقاً في فتاوى الواحد منهم عن الآخر، فمثلاً الفقيهان اللذان بالرغم من انهما يتحرّكان في داخل الإطار الديني يوجد بينهما اختلافاً في وجهات النظر في مسألة فقهية، ففقيه يقول بأن ما وصل إليه هو الصحيح فيما الأنظار الأخرى باطلة والآخر كذلك، إلا أن نظرهما لا يتجاوز حدود الظن، تماماً كالكثير جداً من المسائل الفقهية والتي هي في الأصل ظنية، ولهذا يمكن أن يكون لفقيهٍ واحدٍ عدة فتاوى في أزمنةٍ مختلفةٍ، فهو يفتي اليوم بشيءٍ إلا أنه في السنة القادمة ونظراً لتواجهه مع دليلٍ جديدٍ يقوم بتغيير فتواه، أو أن يتعرّض مرجعٌ معينٌ للوفاة فيأتي مرجعٌ آخر تخالف فتاواه فتاوى من قبله.
هنا نحن نقول بأن الاثنين معذوران، ولا ندّعي بأن الحقيقة ملك طرفٍ من الطرفين ـ أي طرفٍ كان ـ وأنّها تُجانب الطرفَ الآخر، فمثلا ظنّي هو أن صلاة الجمعة واجب تخييري في حين أن ظنّ الآخر هو أنها واجب تعييني، (وطبعاً لا نريد هنا أن نستخدم اصطلاح التصويب، إذ انه اصطلاحٌ خاصٌّ ذا معاني متعددة…) إلا أننا على أي حال نقبل برأي كلا الفقيهين في المسألة الواحدة، ولا يدّعي أي منهما بأن فتواه حتماً هي عين الواقع. نعم من الممكن أن تكون فتوى ذاك الطرف هي الصحيحة، إلا انه حيث كانت فتواي على هذا فعلي العمل بها.
إنّ هذا الوضع موجودٌ في نطاقٍ محدودٍ من الأحكام الظنية، وهو مطروحٌ في بعض المسائل الاعتقادية أيضاً وليس منحصراً بالمسائل الفقهية، فمثلاً على مستوى الاعتقادات الجزئية لنفرض أن سؤال الليلة الأولى في القبر يكون لأي بدن؟ هل للبدن الجسماني أو البدن المثالي أو الروح؟ إن هذه الاعتقادات نظرية، وهناك اختلافاتٌ فيها بدرجةٍ من الدرجات. وهنا أيضاً لا يدّعي أحدٌ بأنّني وصلت إلى الحقيقة قطعاً فيما الرؤى الأخرى كلّها باطلة.
إذا أراد شخصٌ أن يعبّر عن ذلك بأنّه نوع من أنواع التعددية فليس لدينا – ولا هناك – أية مشكلةٍ ما دام غير متجاوزٍ حدودَ المسلّمات الدينية والمذهبية، أي أنه يمكن أن يكون هناك اختلافٌ في وجهات النظر في نطاقٍ محدّدٍ من المسائل النظرية، إلا أن ذلك لا يعني أن الجميع صحيحٌ.
لقد كانت التعددية من النوع الثاني تعني أيضاً أن الاختلافات الحاصلة في المعرفة الدينية ليست قابلةً أصلاً ومطلقاً للمحاكمة، وهذا باطل حتماً؛ أي انه لا معنى للقول بأن الحقيقة غير ممكنة التناول بالنسبة للبشر إلى الدرجة التي لا يمكننا القول فيها بأن التوحيد حقٌّ أو الشرك؟ ليس هناك من شكٍّ في أن هذا النوع من التعددية باطل؛ إذ إن ذلك من قطعيّات الإسلام وضروريات القرآن الكريم.
والحصيلة هي أنّنا لا نقبل التعددية إلا في إطار المسائل الظنية التي لا يوجد طريقٌ للقطع بها ولا تتوفّر غير الأدلة الظنية لها لا مطلقاً، أما التعددية التي تعني الشكّاكية فإن البحث حولها يتطلّب تحليلاً آخر، إذ ما هي جذور هذه التعددية؟ وما هي أسبابها التاريخية؟ لماذا ظهرت وإلى أين توصل؟ إن هذا ما يستدعي بحثاً مفصلاً ومنفصلاً عما نحن فيه.
ترجع هذه التعددية إلى الاختلافات التي وقعت بين الكنيسة والنظريات التجريبية منذ زمن غاليلو وكوبرنيكوس، فقد كان البحث متداولاً في تلك الفترة حول مسألة التعارض بين الديانة المسيحية وبين العلم، وهذا الوضع ليس موجوداً في الإسلام على الإطلاق، وأساساً نحن لسنا بحاجةٍ إلى طرح مثل هذه المواضيع.
في الحقيقة تعبّر التعددية بهذا المعنى عن مفهومٍ مستوردٍ، فالمسألة هي أن بعض الأشخاص في الغرب وفي أوروبا شعروا بالحاجة إلى طرح هذه المسائل لأجل حلّ التعارضات التي كانت قائمةً بين العلم والكنيسة، وقد أدّى بهم ذلك إلى أفكارٍ من هذا القبيل؛ فقد قالوا مثلاً بأنه لا توجد معارف يقينية فيما يتعلّق بالمسائل الدينية، ولا توجد هناك أي مرجّحاتٍ بين هذه المعارف، وحيث إنهم كانوا مضطرين إلى حلّ هذا المشكل الاجتماعي صاروا مجبرين للتوصّل إلى نتائج من هذا القبيل، أما المسلمون فأي مشكلةٍ من هذا القبيل واجهوا حتى يكونوا مضطرين للتوصل إلى نتائج من هذا النوع؟ إذاً بالنسبة لنا لم تكن لدينا أي دوافع تجرّنا إلى مثل هذه التعددية، إذ لم نواجه مثل هذا التعارض ولم يكن مطروحاً في أوساطنا.
التعددية بالمعنى الثالث باطلةٌ مطلقاً وغير قابلةٍ للقبول؛ فنحن نحكم بمقتضى العقل ـ بالنسبة إلى أي قضيةٍ من القضايا ـ فنقول بأن وجهها الإيجابي هو الصحيح أو وجهها السلبي، أما القول بأن إيجابها صحيحٌ وكذلك سلبها فإنّ هذا غير معقول ويعبّر عن تناقض، وبالتالي فهو بديهي البطلان.
يمثّل الإسلام حصيلة الأديان كافةً، وهذه الأديان تعبّر عن مقدمةٍ وتهيئةٍ له. إننا نرى الإسلام كاملاً وجامعاً؛ فنصوصنا القرآنية تتحدّث عن ذلك، وهذا الأمر يمثل حصيلة فهم كافّة علماء الشيعة والسنة وكافة الفرق الإسلامية على مرّ التاريخ. لقد دعي أهل الكتاب إلى الإسلام وإلى إطاعة الرسول (ص)، كما جرى توبيخهم على عدم قبولهم ذلك، إذا كنتم ترون نبي الإسلام حقاً فلماذا لا تنضمّون تحت لوائه؟ إن هناك مثل هذه الآيات الصريحة في القرآن الكريم.
إذاً التعددية بالمعنى الثالث والرابع غير قابلةٍ للقبول، ومن وجهة نظرنا فإن الإسلام هو الدين الواجد لكافة الحقائق الدينية، نعم من الممكن أن تكون بقية الأديان محتويةً على قسمٍ من الحقيقة، ففي اليهودية هناك حقيقةٌ معينةٌ، وكذلك الحال في المسيحية، إلا أن ذلك مخصوصٌ بما لا يكون فيه تعارضٌ مع الإسلام.
وبعبارةٍ أخرى فتلك الحقائق موجودةٌ أيضاً في الإسلام إلا أن الجامعية إنما هي فيه، أمّا بقيّة الأديان فمن الطبيعي أنها تحوز على قسمٍ من الحقيقة، وإلا لما بقيت، وأساساً بقاء أي دينٍ أو توجّهٍ إنّما هو لاشتماله على قسمٍ وجزءٍ من الحقيقة، وإلا فإذا كان بطلاناً محضاً فانه لن يكون له وجودٌ أصلاً. نعم نحن نوافق على هذا المعنى وهو أن في بقية الأديان قسطاً من الحقيقة، لكن لا بحيث إن أي دينٍ إنما يشتمل على قسم من الحقيقة فقط لا كلها، فإن الدين الإسلامي جامعٌ لكافة الحقائق الدينية، وإذا قبل إنسانٌ ما هذا الدين فإنّ إيمانه هذا يكون مقبولاً، وإلا ـ فإذا أنكر الحقيقة ـ فإنه لن يكون مقبولاً عند الله تعالى.
من الطبيعي أن البحث في الموضوع من وجهةٍ دينيةٍ خارجيةٍ لا بد فيه ـ بدايةً ـ من السؤال عن أنه ما هو ملاك تشخيص الحقيقة؟ وما هو الذي نعتبره ملاكاً للأفضلية حتى نرى أين يتمركز الدين فيه؟ هذه المسألة شئنا أم أبينا ترجع إلى علم المعرفة من قبيل ما هو معيار الحقانية والبطلان؟ ومن ثم نبحث في أن هذا المعيار موجودٌ في الإسلام أو لا؟
في البداية لا بد لنا أن نعرف إجمالاً بأننا نواجه نطاقاً محدوداً جداً من المسائل الظنية، إذ إن هناك مقداراً كبيراً من اليقينيات في الإسلام بحيث انه إذا أراد شخصٌ أن يصل إليها أمكنه ذلك ولن يكون عنده نقصٌ على هذا الصعيد، اللهم إلا إذا لم تكن هناك إرادة للبحث والاهتمام، وإلا فإذا كانت هناك إرادة جادّة لمعرفة الإسلام فإن المسائل القطعية ليست بالقليلة.
إننا نملك الآلاف من المسائل القطعية حتى في الإطار الجزئي؛ افرضوا أن المسائل التي طرحها فقهاؤنا حول صلاة الصبح تصل إلى ألفي مسألة، إذا رجعنا إليها سنرى أن الاختلاف قد وقع بينهم في حدود خمسين مسألةٍ فقط والبقية كلّها كانت مورد اتفاق، وإذا أردنا أن نحسب هذه النسبة سنلاحظ أنه في مجال الأحكام الفقهية هناك نسبة مئوية قليلة وقعت مورد الاختلاف، وليست القضية هي أننا لا يمكننا الوصول إلى اليقينيات.
وبناءً على ذلك ـ وإذا أردنا أن نتكلّم بإنصاف ـ يمكننا القول بأن التكثّر واختلاف وجهات النظر يمكن قبولهما في إطار بعض المطالب الدينية التي لا دليل يقيني عليها، لا أنه بالرغم من وجود الدليل الشرعي في موردٍ ما فإن هناك قابليةً للتفاسير المتضادة والافهام والاستنتاجات المختلفة… إن المسألة ليست كذلك.
إننا نملك الكثير من الأدلة القطعية التي كما هي من ناحية السند قطعية وليس هناك مجال للخدشة فيها، هي أيضاً من ناحية الدلالة واضحة، ولا يمكن لأي إنسانٍ عاقلٍ ومنصفٍ أن يشكّ فيها، وعمليـاً لا يوجد اختلافٌ بين المسلمين على موارد من هذا القبيل.
فإذاً الاعتقاد بالطرق المستقيمة بالمعنى الثالث والرابع لا يمكن قبوله بوجه من الوجوه، وقد ذكر المفسّرون أيضاً أن الصراط المستقيم إنما هو الجادة الأصلية والوحيدة والتي تثبت بالقطعيات، وهناك حالاتٌ توجد فيها طرقٌ جزئيةٌ متعدّدةٌ لا تضرّ بأصل الدين وأصل الشريعة وهي مذكورةٌ بعنوان (السبل) وتقع جميعها داخل ذاك الصراط الواحد المستقيم، هنا يمكن أن تحصل اختلافاتٌ في وجهات النظر، إلا أن القبول بهذه الطرق الفرعية لا يعني وجود الطرق المتعدّدة المتناقضة.
“وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل”، لقد تم أخذ صراطٍ واحدٍ بعين الاعتبار فيما تمّ ذكر السبل بطريق التعدّد، نعم في إطار “الصراط المستقيم” هناك سبلٌ متعددةٌ يمكن قبولها في الجملة، “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.
وبناءً عليه فالسبل مرتبطةٌ بالمسائل الفرعية، أما الصراط المستقيم فهو واحدٌ ولا يتقبّل التناقض والتعدّد.

ــ إعداد: مصباح اليزدي ء ترجمة حيدر حبّ الله  ــــ

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

التعامل مع تعددية الأديان والمذاهب والرؤى الفكرية الخارجة عن نطاق الأديان والمذاهب

توطئة

تكاثرُ المشاكل الإنسانية وتزايدُها طردا في التشعب والتعقيد يدفعنا جميعا إلى بلورة فهم أدق لطبيعة المشاكل التي تواجهنا، أكان على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو العالمي.  ينطبق هذا بالأخص على تلك المشاكل التي تكمن وراءها خلفيات قديمة لا تزال الاختلافات التقليدية الموروثة ما بينها تستثير  خصاما سياسيا-اجتماعيا في حراك هذا العصر.  أملي أن تساعد حوارات بناءة هادفة كحوارنا هنا اليوم في تكوين فهم معرفي أدق وأفسح لتلك الاختلافات ... فهمٍ ينمي فينا القدرة على تفهم أكثر موضوعية للتنوع الديني والمذهبي والفكري، في أوطاننا وإقليمنا وعبر العالم، ومن ثم يمكّننا من التعايش مع هذا التنوع والتعدد بوئام وطيد لا يقبل من أي دين أو مذهب أو منظور فكري مسلكا تعصبيا إزاء دين أو مذهب أو منظور فكري آخر.  

شاعر إنكليزي في القرن السابع عشر (جون دون) لاحظ أن لا شخص منفصل بذاته عن مجتمعه، كانفصال جزيرة وسط بحر.  اليوم، إذ نحن نعايش العولمة في جل المعطيات المعاصرة، نلاحظ وضوحا أن لا مشكلة محلية  تبقى طويلا معزولة عن الشأن العالمي. أي اضطراب أو عثار في الحال الإنساني، أينما يحدث في قريتنا العالمية، أكان جراء صراع سياسي، أو نزاع ديني، أو خصام مذهبي، أو هتك لحقوق الإنسان، أو تلويث للبيئة أو  غير ذلك...  إذا ما تفاقم سرعان ما يسري أثره عبر العالم بأسره.  خلاصةً، إذن، ما عاد شأن داخلي إلا إذا تفاقم غدا شأنا خارجيا بامتياز، والعكس صحيح.

بإدراك  تكاثف هذا التشابك في الحال الإنساني تبرز  الحاجة أكثر إلحاحا من أي وقت سبق لأمم الأرض إلى أن تتواءم وتتعاون في إطار اعتماد متبادل لا غنى عنه لأيما مجتمع معاصر. بمثل ذلك، تبرز الحاجة إلى أن يتعامل المواطنون في أيما دولة ما بينهم بوئام وتعاون في إطار مواطنة متساوية، قائمة على أساس تكافؤ الحقوق والواجبات.  كذا إقليميا تبرز الحاجة إلى أن تتواءم وتتعاون الدول في إطار التكافؤ السيادي وحسن الجوار.  كذا عالميا تبرز الحاجة إلى أن تتواءم وتتعاون جميع المجتمعات الوطنية في إطار صداقة وتبادل مصالح.  كل ذلك بصرف النظر عما يوجد بين الشعوب، ومرارا بين الشعب الواحد، من تنوع الانتماء، فكرا ودينا ومذهبا وعرقا وسوى ذلك.  خلاصةً، إذن، تعددية الأديان والمذاهب والرؤى الفكرية  في أيما مجتمع معاصر، وعبر العالم، لا تضر ولا تضير إذا هي انظبطت تحت وحدة الجامع الإنساني، مردفةً بوحدة المشترك الوطني، في كل بلد.  

إزاء هذا التشابك في الواقع الإنساني في عصرنا، عالميا، إقليميا، ووطنيا، الإهتمام ببحث التنوع الديني والمذهبي والفكري الخارج عن نطاق الأديان ومذاهبها بحثا عقلانيا، خلاف ما يجري مرارا من تراشق انفعالي بين المتطرفين من كل دين أو مذهب أو منظور فكري، أمر ضروري لأجل نبذ التعصب، ومن ثم التمكن من بناء حياة كريمة، آمنة، موفورة العناصر المنمية لأحوال الجميع. خلاصةً، إذن، الغيرة على الدين أمر محمود، لكن التعصب من قبل أيما دين ضد دين آخر ليس كذلك.  كذا الغيرة على مذهب أو منظور فكري سرعان ما تتشوه إذا خامرها تعصب ضد مذهب أو منظور فكري آخر. 

التحاور إسلاميا بين المذاهب في الإسلام

في ضوء ما تقدم دعنا نتدارس الحالة الإسلامية تحديدا.  لأجل ذلك، دعنا ابتداء نرسم للإسلام رسما أساسيا كدين جامع، دعوته موجهة للناس كافة عبر العالم، قائمةً على أساس الإقناع لا الإكراه.              

كجميع الأديان الكبرى التي لها أطر وسيعة، الإسلام يتكون من أربعة محاور: العقائد، الشعائر، الأحكام، الأخلاق.

على صعيد العقائد، يتمحور الإسلام في ثلاثة أصول: التوحيد، النبوة، المعاد.  مؤدى هذه الأصول هو 1) الإيمان بالله واحدا أحدا، فردا، صمدا، ليس كمثله شيئ، 2) الإيمان بأن الله مصدر هداية البشر، بواسطة أنبياء ورسل يبتعثهم من بين البشر، وأن محمدا خاتم أنبيائه ورسله، و3)  الإيمان بالآخرة دارَ حساب وجزاء.  


على صعيد الشعائر، الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج وشهادة لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، تشكل أركان الإسلام الخمسة.

على صعيد الأحكام، يلزم الإسلام المسلمين بالامتثال لشريعته.  إلى جانب الشعائر، تحدد الشريعة الأحوال الشخصية وأحكام المعاملات.  الزواج، الطلاق، الحضانة، النفقة، الميراث، التجارة، العقود، وعقوبات لقاء بعض الجرائم والجنح: أحكام كل تلك وأحكام أمورٍ جمة أخرى مبينة تفصيلا في ثنايا الشريعة.

أخيرا، على صعيد الأخلاق، يؤصل الإسلام العدل والمساواة وكرامة الإنسان والشورى في الحكم والحياة مبادئَ  جذريةً لصلاح الإنسان واستقامة أمره، فردا ومجتمعا، في كل زمان ومكان.  كذلك يندب إلى القيم المنمية للحياة، كما الصدق، الأمانة، التواضع، التعاون، إتقان العمل، الصفح، طلب العلم، حسن الجوار، وفضائل جمة أخرى. 

في كل ما سبق ذكره، وهو ما يتشكل منه جوهر الإسلام وعموم مضمونه، مفاهيم كافة المذاهب الإسلامية سواء.  جميع المذاهب تقر بالقرآن كلامَ الله المنزل والمحفوظ للأبد، وبالسنة النبوية منظومةَ أفعال وأقوال ملزم تباعها  للمسلمين كافة.  بهذا المعنى، كأمر أساس، جميع المسلمين على مرجعية واحدة  للنظر في أيما أمر حياتي أو أخروي له في الإسلام فهم صريح أو حكم محدد.

مع رسوخ هذه الأرضية الأساسية المشتركة، ماذا، إذن،  يختلف بين مذهب وآخر في الإسلام لدرجة أن الاختلاف مرارا ما يولد تشنجا بين المذاهب، وأحيانا تعصبا يؤدي إلى تحامل وتخاصم؟  بنظري، لا يوجد ما يفسر ذلك سوى قصور  في فهم المذهب الآخر، ناتج عن ضيق في الاستيعاب المعرفي لما لدى الآخر من نظر مستنبط باجتهاد منهجي مأثور لديه.  جراء شحن تعصبي مسبق لدى المتحاورين، سرعان ما يؤدي قصور الفهم للمذهب الآخر إلى إفساد سلامة الحوار.  في حديثي أمام المؤتمر، بقدر ما سيتاح من وقت، سوف استعرض نموذجا سليما، بل راقيا، للحوار بين المذاهب الإسلامية بغية توحيد الكلمة وإنماء الوئام.

 

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

العلاقات الزَّوجية - المفاهيم، الوظائف، الحقوق

المنهج السليم
الجانب العاطفي الغريزي يُعدُّ حجراً أساساً، وركناً رئيساً، في العلاقات الزَّوجيَّة، لأنه حاجة ملحة في نفس كل من الزوجين، والارتباط الزوجي هو الفضاء الوحيد المفتوح لإشباع هذه الحاجة، وتفعيل هذا الجانب يؤكد الارتباط الخاص بين الزوجين ويعـمِّـقه.
من هنا، لاحظ الباحثون أن الفتور العاطفي، والبرود الجنسي، لأي سبب كان، جسمياً أو نفسياً، هو من أهم عوامل الإخفاق في الحياة الزوجية.
والإسلام الذي يبدي حرصاً كبيراً على إنجاح مشروع البناء الأسري واهتماماً بالغاً به، كما روي عن النبي’ أنه قال: "ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله عز وجل من التزويج"(1)، وعنه’: "أشيدوا النكاح! أشيدوا النكاح"(2).
هذا الإسلام لا بد من أن يولي الجانب العاطفي، والعلاقة الجنسية بين الزوجين، الاهتمام المناسب، وذلك ما نستنتجه من كثرة النصوص والتعاليم الدينية المتعلقة بهذا الشأن. وبمراجعة فاحصة لكتب الحديث والروايات، ولكتب الفقه، نجد مادةً واسعة ثرية للثقافة الجنسية.
إلا أن الملاحظ أن الثقافة الإسلامية المعاصرة تتجنَّب معالجة هذا الموضوع وطرحه، لما يسود الأجواء الاجتماعية من تحفّظ عن مناقشة قضايا الجنس، حيث يُعدُ ذلك عيباً ومنافياً للوقار والاحتشام. بالطبع لو كان ذلك صحيحـاً لما تحدث رسول الله’ والأئمة الطاهرونo عن قضايا الجنس، بهذا الاستيعاب والشمول، ولما كتب العلماء هذه الأبواب المفصَّلة؛ عن أحكام الجماع وآدابه، وعلى هؤلاء أن يقرأوا وصايا رسول الله’ المطوَّلة عن العلاقات الزوجية الخاصة، التي وجهها لعلي بن أبي طالب×، مع ملاحظة أنه صهره وزوج ابنته، وقد أوردها الشيخ الصدوق في كتابيه: "علل الشرائع" و"الأمالي" في عدة صفحات.
ولعله، للرد على أمثال هذه الهواجس، نجـد بعض الأحاديث المروية عن رسول الله’، في هذا المجال، تبدأ بعبارة "لا يستحي الله من الحق"(3).
في المقابل، نرى ابتذالاً فاضحاً في إعلام الحضارة المادية الغربية وثقافتها، للترويج للإثارة الجنسية، وتكثيف التحريض الهابط للشهوات والغرائز، والذي أصبح سمة غالبة على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وبين حالة الكبت والتعتيم في مجتمعاتنا، وحالة الابتذال الفاحش السائد عالمياً، يصبح أبناؤنا فريسة سهلة لتيارات الإغراء والإغواء، أو عرضة للإخفاق في حياتهم العاطفية الجنسية.
والمنهج السليم هو توفير ثقافة تربوية إرشادية لهذا الجانب المهم من حياة الإنسان، من وحي تعاليم الدين، وبالاستفادة من البحوث العلمية، والتجارب النافعة، بما يلبي تطلع الشباب إلى المعرفة، ويوجه سلوكهم نحو الأخلاق والقيم، ويقيهم من الانحرافات والمشاكل، ويعينهم على النجاح في بناء حياتهم الزوجية السعيدة.
تشجيع الرغبة الجنسيَّة ضمن الإطار الزوجي
لاحظ بعض العلماء أن الشريعة الإسلامية تحث على الزهد في مختلف متع الحياة ولذاتها، وعلى أن يعوّد الإنسان نفسه على الاكتفاء بالحد الأدنى منها، كالطعام والشراب والنوم واللباس والمال وما أشبه، فإنه حتى في إطار المباح والحلال من هذه الأشياء ينبغي الإقلال والاقتصار على ما يلبي حاجة تقوّم الجسم، واستمرار الحياة، لتوجيه اهتمامات الإنسان وإمكاناته نحو الباقيات الصالحات، بخدمة القيم السامية، ونفع عباد الله.
وهذا أمر ظاهر في كثير من النصوص الدينية، وفي سير الأنبياء والأئمة الهداةo، والذين كانوا يكتفون بأقل الطعام، وأبسط مستويات المعيشة، وأقل قدر من النوم والراحة.
لكننا لا نجد مثل هذا التوجيه في ما يتعلق بالرغبة الجنسية، ضمن إطارها الزوجي المشروع، بل على العكس من ذلك، وردت أحاديث وروايات مفادها التشجيع على هذه الرغبة، كما أن سيرة الرسول’ وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، التي تزخر بصور الزهد ومواقفه في سائر اللذات والمتع، تنطوي على كثير من صور الدفء العاطفي ومشاهده في العلاقات الزوجية المشروعة.
ولعل مبعث ذلك يعود إلى معرفة الشارع بخطورة كبت هذه الغريزة العارمة وقمعها في نفس الإنسان، أو انطلاقها خارج الحدود، وأن من صالح الإنسان ومصلحته تشجيع هذه الرغبة العميقة، ضمن إطارها الصحيح، ما يجنِّبه عقد الكبت والحرمان، ويغنيه عن التفكير في طرق الحرام.
كما أن تفعيل هذه الرغبة، في الإطار الزوجي، يسهم في قوة العلاقة الزوجية، وفي تأكيد الارتباط والانشداد، ما يحفظ قوَّة المجتمع، ويصون أمنه الأخلاقي والاجتماعي.
ضمن هذا السياق يمكننا قراءة النصوص الآتية:
عن جعفر الصادق× قال: "جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي’ فقالت: "يا رسول الله، إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله’ مغضباً حتى جاء عثمان، فوجده يصلِّي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله’. فقال له: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنَّتي، ومن سنَّتي النكاح"(4).
وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر، أن أناساً من أصحاب النبي’ قالوا للنبي’: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(5). ومثله ورد في مستدرك وسائل الشيعة(6).
وفي رواية أخرى عن أبي ذر، أن رسول الله’ قال: "مباضعتك لأهلك صدقة، قلت: يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال’: أرأيت لو وضعته في غير حقه كان عليه وزر؟ قلت: بلى. قال’: أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير"(7).
سئل الإمام محمد الباقر×: ما بال المؤمن قد يكون أنكح شيء؟ ـ يعني كثير النكاح ـ قال: "لأنه يحفظ فرجه عن فروج لا تحل له، لكيلا تميل به شهوته هكذا وهكذا، فإذا ظفر بالحلال اكتفى به واستغنى عن غيره"(8).
عن الإمام الصادق×: "في كل شيء إسراف إلا في النساء"(9).
إظهار الأناقة والجمال
من أجل أن تتركَّز مشاعر الرغبة الغريزية والميول الجنسية، ضمن الإطار الزوجي، فتحقق العفة، ويتوثق الارتباط والانشداد، يوجه الإسلام كلاًّ من الطرفين للاهتمام بأناقته وجماله أمام الطرف الآخر، ليملأ عينه، وليستقطب أحاسيسه، فلا ينجذب لما وراء ذلك.
إن بعض الزوجات قد تغفل جانب الاهتمام بإظهار زينتها ومفاتنها أمام زوجها، انشغالاً منها بخدمة البيت، وتربية الأولاد، أو لشعورها بعمق الحب بينهما، بحيث لا داعي للأناقة والزينة، وغالباً ما تخصِّص ثياب الزينة وأساليب الأناقة، لوقت ذهابها لحفلة أو زيارة، لكن هذا التفكير خاطئ، فالزوج تصادفه مختلف الأشكال والمناظر، خصوصاً عبر وسائل الإعلام، التي تستغل أنوثة المرأة، وتتاجر بها، فينبغي للزوجة أن تعمل للاستيلاء على مشاعر زوجها، وأن تملأ عينيه.
وكذلك الأمر بالنسبة للزوج، عليه أن يهتم بأناقته وجماله، ومنظره ونظافته أمام زوجته، فهي إنسان تمتلك مشاعر وأحاسيس، وتصادفها مختلف الأشكال والمناظر، فيجب أن ترى في زوجها ما يملأ عينيها ويجذب أحاسيسها.
وقد وردت نصوص دينية كثيرة، تذكِّر الزوجين بهذا الجانب، من بينها النماذج الآتية:
عن رسول الله’ أنه قال: "ليتهيأ أحدكم لزوجته كما يجب أن تتهيأ له، قال جعفر الصادق×: "يعني التنظف"(10).
عن رسول الله’ أنه قال: "خير نسائكم التي إذا دخلت مع زوجها خلعت درع الحياء"(11).
عن الإمام جعفر الصادق× أنه قال في حق الزوج على المرأة: "عليها أن تطيب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزين بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية"(12).
عن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن× اختضب، فقلت: جعلت فداك، اختضبت؟ فقال: نعم، إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة. ثم قال: أيسرك أن تراها على ما تراك إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا. قال: فهو ذاك(13).
عن الإمام جعفر الصادق×: "لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها، ولو أن تعلِّق في عنقها قلادة، ولا ينبغي أن تدع يدها من الخضاب، ولو أن تمسّها بالحناء مسّاً وإن كانت مسنّة"(14).
الإثارة والإشباع العاطفي
أجواء العلاقات الزوجية يجب أن تكون مفعمة بالحب، وأن تلامس أعماق مشاعر الطرفين، حتى لا تصبح الممارسة الجنسية مجرد أداء جسمي، لا يواكبه تفاعل نفسي عاطفي، وإذا كان أحد الطرفين يعيش حالة اندفاع ورغبة، عليه أن يعطي الفرصة للطرف الآخر ليشاركه اندفاعه ورغبته.
ولأن الرجل غالباً ما يكون أكثر جاهزية، وأسرع تحقيقاً لرغبته، جاءت التوجيهات الدينية بأخذ وضع الزوجة العاطفي بعين الاعتبار، ومساعدتها عبر أساليب الإثارة لتكون أكثر استعداداً وتفاعلاً، وتمكينها من تحقيق كامل رغبتها واستمتاعها.
فهناك نصوص عديدة تتحدث عن أساليب الإثارة والعلاقة العاطفية، التي ينبغي أن تكون بين الزوجين:
أورد مسلم، في صحيحه، قول رسول الله’ لجابر بن عبد الله الأنصاري: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك"(15).
وأورد أبو حامد الغزالي عنه’: "لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول. قيل: ما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام"(16).
وعنه’: "من الجفا مواقعة الرجل أهله قبل المداعبة"(17).
وعن الإمام جعفر الصادق×: "إذا أتى أحدكم أهله فليكن بينهما مداعبة فإنه أطيب للأمر"(18).
وعن الإمام علي×: "إذا أراد أحدكم أن يأتي زوجته فلا يعجلها فإن للنساء حوائج"(19).
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع، لتنهض شهوتها، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز، عن النبي’ أنه قال: "لا تواقعها إلاّ وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك، لكيلا تسبقها بالفراغ. قلت: وذلك إليّ؟ قال: "نعم إنك تقبلها، وتغمزها، وتلمسها، فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها". فإن فرغ قبلها كره له النزع حتى تفرغ، لما روى أنس بن مالك، قال: "قال رسول الله’: "إذا جامع رجل أهله فليصدُقها، ثم إذا قضى حاجته، فلا يُعجلها حتى تقضي حاجتها"(20).
أحكام وآداب
لكي لا ينسى الإنسان تميزه الإنساني، وارتباطه بربه وخالقه، وإيمانه بالقيم السامية، حتى في غمرة استمتاعه الجنسي، وفي أوج ممارسته الغريزية، تضع له الشريعة الإسلامية أحكاماً وآداباً، في مجال العلاقات الزوجية الخاصة، نشير إلى بعضها:
يستحب عند إرادة الممارسة الجنسية ذكر الله تعالى، والاستعاذة من الشيطان، جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي’: "أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: باسم الله، اللهم جنِّبني الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، ثم قُدّر بينهما ذلك، أو قُضي ولد، لم يضره شيطان أبداً"(21).
ومثله في وسائل الشيعة عن الإمام علي×: "إذا جامع أحدكم، فليقل: بسم الله وبالله، اللهم جنِّبني الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتني. قال: فإن قضى الله بينهما ولداً لا يضره الشيطان بشيء أبداً"(23).
ويكره استقبال القبلة واستدبارها حال الجماع.
وينبغي أن لا تكون الممارسة الجنسية بمرأى أو مسمع من أحد، حتى الطفل الصغير، ولو كان غير مدرك وغير مميز.
جاء عن الإمام جعفر الصادق×: "لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي، فإن ذلك مما يورث الزنا"(23).
وورد عن الإمام علي× قال: "نهى رسول الله’ أن يجامع الرجل امرأته والصبي في المهد ينظر إليهما"(24).
ويجب على الزوجين تعلم غسل الجنابة، لتوقف أداء الصلاة عليه. ويكره النوم والأكل والشرب قبل الغسل إلا أن يتوضأ.
المعاشرة الجنسية
من أقوى الغرائز التي أودعها الله، تعالى، في نفس الإنسان وأخطرها الغريزة الجنسية، فهي تستيقظ في نهاية العقد الأول من عمره، ويتكامل ظهورها غالباً عند منتصف العقد الثاني، وهي عند الفتاة أبكر منها عند الفتى.
وللعوامل الوراثية والبيئية دور في الإسراع أو الإبطاء في ظهور الغريزة الجنسية عند الإنسان.
هذه الغريزة تشكل قوة ضاغطة على نفس الإنسان وسلوكه، من أجل إشباعها والاستجابة لها، وقد عدَّ الإسلام نضج هذه الغريزة إعلاناً لدخول الإنسان قاعة الابتلاء والامتحان، حيث يصبح مكلَّفاً بتحمل مسؤولية تصرفاته شرعاً وقانوناً. فالتكليف مرتبط بالبلوغ، واكتمال النضج الجنسي، من خلال طمث الفتاة (الحيض)، واحتلام الفتى (إفراز المادة المنوية)، هو أبرز علامات البلوغ وأوضحها.
ولكن كيف تنبثق هذه الغريزة الجنسية عند الإنسان؟
ليس هناك إجابة علمية نهائية، لكن ما يقرره العلماء هو "أن جميع غدد الجسم، بما فيها الغدد التناسلية، تخضع للغدة الحاكمة المسماة النخامية، والواقعة في أسفل المخ، في حفرة في قاع الجمجمة، تدعى بالسرج التركي SELLA TURCICA لأنها تشبه السرج التركي القديم.
ولكن ملكة الغدد نفسها واقعة تحت تأثير منطقة مهمَّة بالمخ تدعى المهاد (الوطاء) (HYPOTHALAMUS)، ولا تزال هذه المنطقة من المخ ترسل أوامرها إلى ملكة الغدد في أثناء الطفولة، تمنعها من إرسال هرموناتها للغدد التناسلية. حتى إذا قدّر الله أن يبلغ الفتى أو الفتاة، أمر هذه المنطقة من المخ، أن توقف رسائلها المثبطة للغدد النخامية… فتتوقف تلك الرسائل فوراً، وعندئذٍ ينطلق العقال الذي كان يكبت الغدة النخامية ويكبح جماحها… فتعلم أنه قد آن الأوان لها أن ترسل هرموناتها المنشطة لغدد التناسل، فتفعل ذلك سريعاً…
وكلمة هرمون تعني رسول.. وهذه الهرمونات ليست إلا رسل كيماوية تنتقل عبر الدم، من غدة إلى أخرى، أو من غدة إلى بقية الجسم، وتؤثر فيه تأثيراً شديداً…
هذه الرسل الكيماوية لا توزن بالكيلوغرام، ولا حتى بالغرام، كما يوزن الذهب أو الفضة… ولكنها توزن بالناناغرام والميكروغرام (واحد على بليون من الغرام وواحد على بليون من الغرام). نعم إنها كمية ضئيلة جداً، ولكنها رغم ضآلتها وقلَّة وزنها، خطيرة جداً، فإن أقل خلل في أي منها قد يسبب الموت أو التشوه الخلقي والعقلي أو القصور الجسمي والجنسي والنفسي..
تفرز ملكة الغدد (الغدة النخامية) عدة هرمونات تتحكم في جميع الغدد الصماء في الجسم… ولا تتوقف عن هذا الإفراز منذ أن يولد الطفل، بل قبل أن يولد… إلا في الغدد التناسلية فإن الإفراز لا يتم إلا عند البلوغ… أي عندما تتوقف الأوامر المثبطة من منطقة المخ المسماة بتحت المهاد (HZPOTHALAMUS)، عندئذٍ ترسل الغدة النخامية هرموناتها إلى الخصية في الذكر وإلى المبيض في الأنثى…"(25).
الرغبة الجنسية ليست قاهرة لا يمكن كبحها، إنها ليست كالجوع والعطش اللذين يؤثران على الجسم، بل هي رغبة تشكل ضغطاً عاطفياً عارماً في نفس الإنسان، لكنها قابلة للترويض والتهدئة، وبعكس الجوع والعطش اللذين يعبِّران عن حاجة داخلية إلى الغذاء والماء، فإن الدافع الجنسي تستنهضه وتستثيره غالباً الحوافز الخارجية، ومع ابتعاد الإنسان عن عوامل الإثارة الخارجية، تكون قدرته على ضبط رغبته الجنسية وترويضها أكبر.
ولذلك شرع الإسلام أحكام غض البصر بين الجنسين، وفرض الحجاب، وأمر بمراعاة العفة والاحتشام، ليبقى الإنسان ماسكاً بزمام غريزته، مسيطراً على اندفاعاتها، لأن انفلات هذه الغريزة يقود الفرد والمجتمع إلى مهاوي الشقاء والدمار.
بين الكبت والانفلات
وجود هذه الغريزة في الإنسان ليس أمراً عبثياً، وليس شراً وخطيئة، بل هو وجود مقصود، يستهدف تحقيق وظائف مهمَّة في حياة الإنسان. فعبر هذه الغريزة يكون استمرار النسل البشري، وبوساطتها تتأسس الحياة العائلية، كما أنها مصدر إمتاع ولذَّة للإنسان، وقناة تنفيس للكثير من همومه وأتعابه في أشواط الحياة.
لذلك يرفض الإسلام كبت هذه الغريزة الفاعلة، لما في ذلك من التفويت لمصالح الجنس البشري، والمجتمع الإنساني، والسعادة الشخصية، ولما قد يؤدي إليه ذلك من أضرار نفسية وصحية.
في المقابل، يعارض الإسلام إطلاق العنان لهذه الغريزة الجامحة، بأن ينقاد الإنسان لرغباته من دون حدود، وبأي طريقة، لما يؤدي إليه ذلك من أضرار شخصية، ومخاطر اجتماعية، ويكفي أن تتأمل ما تعاني منه كثير من المجتمعات المعاصرة بسبب الانحرافات الجنسية، من أمراض فتاكة، في طليعتها (الإيدز) الذي أصبح يهدد حياة الملايين من البشر، ومن فقدان الأمن الاجتماعي والأخلاقي، بتفكك الحياة العائلية، وقيام شبكات وعصابات لتنظيم جرائم الاختطاف، وتجارة الدعارة، واستغلال الأطفال القاصرين في الممارسات الشاذة.
وبين رفض حالتي الكبت والانفلات، في التعامل مع الغريزة الجنسية، يفتح الإسلام أبواب الزواج مشرعة على مصراعيها، باعتباره الطريق الطبيعي السليم لإشباع الغريزة الجنسية، بما يخدم مصلحة النوع البشري، ويحقق الأمن الاجتماعي والأخلاقي.
وأي طريقة أخرى لإشباع هذه الغريزة غير الزواج تعدّ حراماً وعدواناً، وتؤدي إلى نتائج وخيمة في الدنيا والآخرة. يقول تعالى: )وَالْذِينَ هُمْ لفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إلاَّ عَلَى أَزْواَجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرَ مَلُومِين. فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ( [المؤمنون/5 ـ7] وتكررت هذه الآيات بالنّص نفسه في سورة أخرى هي سورة المعارج [الآيات/30 ـ 32].
وملك اليمين إشارة إلى حالة الرق والعبودية، التي كانت في سالف الزمان، فإذا امتلك الرجل امرأة حلت له معاشرتها جنسياً، ضمن تفاصيل مذكورة في كتب الفقه، وقد تجاوزت البشرية والحمد لله هذه الحالة، فلم يعد هناك طريق مشروع للاستجابة لنداء الغريزة الجنسية إلا الزواج.
الاستمتاع الكامل
المعاشرة الجنسية عنصر أساس في تفعيل العلاقة الزوجية، وتوثيق الارتباط، وتأكيد الخصوصية، وإرساء الكيان العائلي.
وقد أباح الشرع لكل من الزوجين أن يستمتع بالآخر استمتاعاً كاملاً، بأي شكل وبأي طريقة أرادها، فجسد كل منهما مباح للآخر، من حيث النظر والاستمتاع، والممارسات الجنسية، عدا الممارسة الجنسية الشاذة بالوطء دبراً، فإن الإسلام لا يحبذها، إما على نحو التحريم، كما هو رأي أكثر فقهاء السنة وقسم من فقهاء الشيعة، أو على نحو الكراهة الشديدة، كما هو رأي أكثر فقهاء الشيعة وبعض فقهاء السنة.
جاء في وسائل الشيعة عن سدير قال: سمعت أبا جعفر (محمد الباقر عليه السلام) يقول: قال رسول الله’: "محاش النساء على أمتي حرام"(26) (محاش النساء: أدبارهن).
وفيه عن أبي عبد الله (جعفر الصادق عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يأتي أهله في دبرها، فكره ذلك وقال: وإياكم ومحاش النساء، وقال: إنما معنى )نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ( أي ساعة شئتم(27).
بناءً على هذه النصوص، أفتى بعض فقهاء الشيعة بالحرمة وبعضهم بالكراهة الشديدة.
أما فقهاء السنة، فقد جاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: ولا يحل وطء الزوجة في الدبر، في قول أكثر أهل العلم، منهم علي، وعبد الله، وأبو الدرداء، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وأبو هريرة. وبه قال سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، ومجاهد، وعكرمة، والشافعي، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، ورويت إباحته عن ابن عمر، وزيد بن أسلم، ونافع، ومالك. وروي عن مالك أنه قال: ما أدركت أحداً أُقتدي به في ديني يشك في أنه حلال. وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك. واحتج من أحلّه بقول الله تعالى: )نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ(، وقوله سبحانه:)وَالْذِينَ هُمْ لِفُرُجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم( ولنا ما روي أن رسول الله’ قال: "إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء من أعجازهن"(28).
استثناءات
هناك موارد محدودة حظَّر الإسلام فيها الاستمتاع الجنسي بين الزوجين، بشكل كامل، أو خصوص الممارسة الجنسية (الجماع) على التفصيل الآتي:
1 ـ في حالة الإحرام بالعمرة أو الحج، لا يجوز أي لون من ألوان الاستمتاع بين الزوجين، سواء كانا محرمين، أو كان أحدهما محرماً فقط، فلا يجوز أن يمسّ أحدهما الآخر بشهوة. وتفاصيل هذا الموضوع تبحث في أحكام الحج.
2 ـ في حالة الاعتكاف، وهو اللبث في المسجد بقصد التعبُّد على صفة مخصوصة، وأقله ثلاثة أيام، فلا يصح أثناء الاعتكاف أي لون من ألوان الاستمتاع الجنسي بين الزوجين.
3 ـ عندما تكون المرأة حائضاً أو نفساء، فإنه يحرم الجماع، ولكن تجوز سائر الاستمتاعات عدا الجماع، هذا عند الشيعة والحنابلة، أما الحنفية والمالكية والشافعية، فأضافوا إلى حرمة الجماع حرمة الاستمتاع بما بين السُّرة والركبة، وعند الشيعة هو مكروه وليس حراماً…
فإذا انقطع الحيض والنفاس، جازت الممارسة الجنسية، حتى قبل اغتسالها غسل الحيض عند الشيعة، وعند الحنفية: فيما إذا انقطع الدم على أكثر المدة في الحيض فإنه يجوز الوطء من دون غسل.
أما جمهور فقهاء السنة، من المالكية والشافعية والحنابلة، فذهبوا إلى أنه لا يحل وطء الحائض حتى ينقطع الدم وتغتسل.
4 ـ في الصوم الواجب، أيضا، لا يجوز الجماع لأنه من المفطرات، لكن سائر الاستمتاعات جائزة أثناء الصوم، إذا كان لا يحتمل نزول المني بذلك. وإن كان الأفضل الابتعاد عن أي لون من ألوان الاستمتاعات الجنسية أثناء الصوم.
حق الاستمتاع
بمقتضى عقد الزواج فإن الاستمتاع الجنسي يصبح حقاً لكل من الزوجين على الآخر، وليس مباحاً أو جائزاً فقط، فمن حق الزوج على الزوجة أن تتيح له فرصة الاستمتاع متى أراد، وكيفما شاء، ما لم يكن هناك مانع شرعي، كموارد الاستثناءات الأربعة السابقة، أو مانع صحي "وهو كل حالة صحية تجعل المرأة غير مؤهلة لممارسة العملية الجنسية، بأن يكون في ممارسة الجنس ضرر أو حرج عليها، فإن أدلة نفي الضرر والحرج حاكمة على أدلة حق الاستمتاع"(29).
ومن حق الزوجة على زوجها إشباع حاجتها الجنسية.
والمشهور عند الفقهاء، سنة وشيعة، أنه لا يجوز له ترك مقاربتها أكثر من أربعة اشهر إلا لعذر كالحرج والضرر، أو مع رضاها، أو اشتراك تركه عليها حين العقد، ولا يجوز له إطالة السفر أكثر من أربعة أشهر عنها من دون عذر شرعي، ما يفوت حقها في الاستمتاع(30).
بل يجب عليه إشباع رغبتها الجنسية إعفافاً لها عن الحرام، فلو خاف وقوعها في الحرام وجب عليه المبادرة لتلبية رغبتها، من دون التقيّد بمدة الأشهر الأربعة(31).
وذهب الشيخ شمس الدين إلى مخالفة مشهور الفقهاء في هذه المسألة، على أساس أن استنادهم في فتواهم هذه بتحديد حق المرأة في الاستمتاع الجنسي مرة كل أربعة اشهر، على روايات لا يرى أنها تقوم بالدلالة عليه، وقد ناقشها بالتفصيل، ثم انتهى إلى النتيجة الآتية: لا نعرف وجهاً لإطلاق الفتوى بأن الواجب على الزوج من الاتصال الجنسي مع زوجته (حق الزوجة على زوجها في ذلك) هو مرة واحدة كل أربعة أشهر. والظاهر أن الشارع قد ترك تحديد هذا الأمر للرغبة الطبيعية عند الرجل، ولظروف الزوجين، والرغبة في الحالات الطبيعية قد تكون يومية، وقد تكون في الأسبوع أكثر من مرة، ويختلف أمرها قوةً وضعفاً بمراحل العمر ومؤثرات أخرى، لا يمكن ضبطها بمعيار صارم من الناحية الزمنية، كما لا يمكن تحديد نشاط أي غريزة من الغرائز.
ولكن الشارع ـ مع ذلك ـ حذر من إهمال حاجة المرأة الطبيعية إلى الوصال الجنسي، كما تدل على ذلك عدة روايات.
فالظاهر أنه لو ترك الوطء إهمالاً واستهانةً أو انشغالاً بعمل ـ لا عن مغاضبة ولا في حالة عصبية ـ مع حاجة الزوجة ورغبتها في الوصال الجنسي، فإنه يكون مخلاً بحقوق الزوجية، وإن لم تبلغ مدة ا لحرمان الزوجة أربعة أشهر(32).
وقال السيد محمد حسين فضل الله: "لا يقتصر حق الزوجة في الاستمتاع على جماعها مرة خلال كل أربعة أشهر كما هو المشهور عند الفقهاء، بل يجب على الزوج أن يستجيب لها بالنحو الذي تحتاجه من هي مثلها عادة، من حيث الفترة الزمنية والكيفية، حتى لو كانت قادرة على التعفف والصبر عن الحرام عند حرمانها"(33).
وقال ابن حزم ـ من الظاهرية ـ: "وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التي هي زوجته وأدنى ذلك مرة في كل طهر، إن قدر على ذلك، وإلاّ فهو عاصٍ لله تعالى، وبرهان ذلك قول الله عز وجل: )فَِّإذَا تَطَهَّرْنَ فَأتُوهُّنَّ منْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ الله﴾، ويجبر على ذلك من أبى بالأدب، لأنه أتى منكراً من العمل"(34).
وكذلك اختار الشيخ ابن تيمية أن حق الزوجة في الوطء غير مقدَّر بمدَّة، وإنما يقدَّر بكفايتها وقدرة الزوج على ذلك، فقال: "ويجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها، ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشته، غير مقدور بأربعة أشهر"(35).
نفقة الزوجة
إذا قبلت المرأة رجلاً زوجاً لها، وارتبطت حياتها بحياته، وتقيَّدت حريتها بحقوقه الزوجية، فإن الشارع قد ضمن لها مقابل هذا الارتباط والتقييد، تأمين كل مستلزمات حياتها، وأوجب ذلك على الزوج، وحمّله الإنفاق على الزوجة، مسلمة كانت أو غير مسلمة، ما دامت ملتزمة بحقوقه عليها، إلا أن تسقط المرأة حقها في النفقة على الزوج، وتتنازل عنه، أو يشترط الزوج في العقد أنه لا يتحمل النفقة، وتوافق هي على ذلك.
هذا في الزواج الدائم، أما في الزواج المنقطع (المتعة)، بناء على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في استمرار تشريعه وجوازه، فإنه لا يتوجب على الزوج نفقة الزوجة، إلا إذا اشترطتها في العقد، وقبل الزوج، فيجب عليه نفقتها بموجب الشرط.
مقدار النفقة
لا تقدير للنفقة شرعاً، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها، من سكن مناسب يتوافر فيه الأثاث والتجهيزات المتعارفة، وطعام كافٍ، وكسوة لائقة، وعلاج صحي عند المرض، وكل ما يرتبط بهذه الأمور، حسب ما هو متعارف في حياة أمثالها من الزوجات. ليس على أساس توفير الحد الأدنى من مستوى الكفاية فقط، بل مع مراعاة شأنها ووضعها الاجتماعي، وفي حدود إمكانات الزوج، يقول تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنَ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفْقْ مِمَّّا آتَاه اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق/7]، ويقول تعالى: ﴿أَسْكِنُهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾، [الطلاق/6]، ويقول تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكَسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة/233].
وإذا التزمت حياتها وجود خادمة لها، أو كان ذلك مما يقتضيه وضعها الاجتماعي، على الزوج توفير ذلك لها.
أما عادات الترف والإسراف، من كثرة الملابس الثمينة، والمبالغة في الكماليات، فلا يجب شيء من ذلك على الزوج.
ولا يجب على الزوج شيء من الديون التي في ذمة الزوجة، سواء كانت ديوناً لله، كالفدية والكفارة والنذر، أم ديوناً للناس، كالغرامات وما تستدينه وتقترضه، إلاّ إذا استدانت شيئاً لبعض من يجب لها على الزوج، لاضطرارها الفوري، أو لغياب الزوج، أو لعدم إنفاقه عليها، فإن عليه أداء ذلك الدين. كما لا يجب على الزوج نفقات سفرها للحج، واجباً أو مستحباً.
التحديد الزمني للنفقة
تستحق المرأة النفقة من حين الزواج، ما دامت مستعدة للالتحاق بزوجها، وحتى في المدة الفاصلة بين العقد والزفاف، إلا أن يكون متعارفاً عدم التزام الزوج النفقة خلال هذه المدَّة، كما هي الحال فعلاً في مجتمعنا.
ويبقى هذا الحق ثابتاً للمرأة ما دامت العلاقة الزوجية قائمة، مع التزامها بحقوق الزوج، فإن تمرَّدت على حقوقه المشروعة، تصبح ناشزاً، تسقط نفقتها، حتى تعود إلى القيام بوظائفها الزوجية.
وتستمر نفقتها على زوجها حتى لو طلقها إلى حين انتهاء عدّة الطلاق، إذا كان الطلاق رجعياً، أي يجوز للزوج الرجوع إليها خلال العدَّة، أما إذا كان الطلاق بائناً لا يصح فيه للزوج الرجوع، فلا نفقة لها أثناء العدّة، إلا إذا كانت حاملاً فتستحق كامل النفقة حتى تضع حملها.
وأوجب الحنفية النفقة لها حتى في عدّة الطلاق البائن وإن لم تكن حاملاً(36).
بالطبع ينتهي حق النفقة عند وفاة الزوج، فلا نفقة لها أثناء عدّة الوفاة حتى لو كانت حاملاً. وأوجب المالكية لمعتدة الوفاة، السكنى مدة العدة، إذا كان المسكن مملوكاً للزوج، او مستأجراً دفع أجرته قبل وفاته(37).
التصرف بالنَّفقة
إذا دفع إليها الزوج نفقتها مالاً أو عيناً، كانت ملكاً لها، تتصرف بها كما تشاء، فإذا صرفتها في حاجتها، لم يجب على الزوج تعويضها.
ولو ادخرت نفقتها التي دفعها إليها، فلم تصرفها، أو لها قسماً منها، لم يحق له استرجاع شيء من ذلك، بل هو في ملكها وتحت تصرفها.
أما الأشياء التي يوفرها الزوج في البيت، لتستهلك منها الزوجة وتستخدمها حسب حاجتها، فإنها لا تمتلك شيئاً منها، ولا يصح لها التصرف بها خارج حاجتها، بإعطاء أحد مثلاً إلاّ بإذن الزوج.
توفير النفقة
يجب على الزوج، إذا لم يكن له مال، السعي والكسب لتوفير نفقة زوجته، وإذا لم يكن قادراً على الكسب، أو لم تتوافر له فرصة عمل، يأخذ من حقوق الفقراء، من الأخماس والزكوات والكفارات، ما يؤمن به نفقتها.
وإذا استطاع الاستدانة من غير حرج ومشقة، مع احتماله القدرة على وفاء الدين، وجب عليه الاستدانة لتوفير نفقتها، ولا يجب عليه أن يطلب الهبة من الناس، أو يستجديها من أجل نفقة الزوجة، ولكن يجوز له ذلك.
الامتناع عن النفقة
إذا امتنع الزوج عن إعطائها شيئاً مما تحتاجه لحياتها، مع مطالبتها بذلك، جاز لها أن تأخذ من ماله، من دون علمه وإذنه، لقضاء حاجتها، ورد في صحيح البخاري عن عائشة أنه: "قالت هند أم معاوية لرسول الله’: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله سراً؟ قال’: خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف"(38).
ويجوز للزوجة، عند امتناع الزوج عن النفقة عليها، أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، ليجبره على الإنفاق او الطلاق، يقول تعالى: ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بإحْسَانٍ﴾ [البقرة/229].
وإذا لم يكن الزوج قادراً على الإنفاق عليها، ولم ترضَ بالصبر عليه، وجب عليه طلاقها، فإن امتنع عن الطلاق رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، ليجبره على الطلاق، فإن تعذر إجباره طلقها الحاكم.
أولوية نفقة الزوجة
لا شيء أوجب على الرجل، بعد تأمين نفقة حياته الشخصية، من نفقة زوجته، فهي أولى حتى من نفقة والديه وأولاده، ويتبين ذلك من المسائل الآتية:
1 ـ إنما يجب الإنفاق على الوالدين وعلى الأولاد، إذا كانوا محتاجين لا مال لهم، ولا قدرة على الكسب المناسب، ومع قدرتهم المالية أو العملية، لا تجب على الإنسان نفقتهم، أما بالنسبة للزوجة فالنفقة حق لها على الزوج، ولو كانت غنية ثرية.
2 ـ لو كان للرجل مبلغ من المال يكفي للإنفاق إما على زوجته، أو على أحد من والديه وأولاده، كانت الأولوية للإنفاق على الزوجة، قبل الوالدين والأولاد.
3 ـ إذا لم ينفق على والديه أو أولاده المحتاجين، لعدم إمكانه أو لامتناعه، فإنه لا يبقى حق نفقتهم ديناً في ذمته، أما نفقة الزوجة فتبقى في ذمته إذا لم يدفعها، ولا تسقط بمضي الزمن، بل تكون ديناً عليه، ولو مات تخرج من أصل تركته كسائر ديونه.
ويرى المالكية سقوط نفقة الزوجة عن الزوج بإعساره فلا تلزمه ولا تكون ديناً عليه(39).
ويرى الحنفية سقوط نفقة الزوجة بمضي المدة بعد وجوبها، ما لم تصبح ديناً في ذمة الزوج بفرض القاضي أو بالتراضي(40).
حركة الزوجة خارج البيت
كل عقد بين طرفين لا بد من أن يتم على أساس مشروع اتفاق يحدد التزامات كل طرف منهما نحو الآخر. وبالنسبة لعقد الزواج فإن الإسلام يقترح مشروع اتفاق بين الزوجين، يجري العقد على أساسه، ويلتزم كل منهما تجاه الآخر بالحقوق التي يقرها المشروع. وهذا ما تعنيه الحقوق المتبادلة بين الزوجين بحكم الشرع، وينبغي التنبيه إلى نقطتين:
الأولى: إن هذه الحقوق ليست أحكاماً شرعية لازمة، يفرضها الشرع على الطرفين عند إرادتهما الزواج، بل هي حقوق لصالح انتظام حياتهما الزوجية، وهي بيدهما، وبإمكانهما التعديل والتغيير فيها، بإسقاط بعض هذه الحقوق، أو إضافة غيرها كشرط ضمن العقد.
ولتقريب الفكرة نقول: إنها مثل مسودة اتفاق، يحق لكل منهما التعديل فيها، فإذا تراضيا على أي تغيير، واتفقا على ذلك، فإن العقد يجري على أساس اتفاقهما، ضمن الضوابط التي سبق الحديث عنها في شروط الزواج.
الثانية: قد يسيء بعض الأزواج أو الزوجات استخدام الحق الذي له على الآخر، فيتحول الحق من عامل تنظيم لاستقرار الحياة الزوجية، إلى غطاء ومسوِّغ لممارسة الإيذاء والظلم، وهذا ما يحرّمه الدين، ويتوعد الله تعالى عليه بالحساب العقاب، كما وضع الشرع تقنيات رادعة لهذه التصرفات العدوانية، عبر القضاء، وصلاحيات الحاكم الشرعي.
إذن الزوج في الخروج
ذكر الفقهاء أن من حقوق الزوج على زوجته أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، مستندين في ذلك إلى أحاديث وروايات واردة عن الرسول’، كحديث ابن عمر قال: "رأيت امرأة أتت إلى النبي’ وقالت: "يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ قال’: حقه عليها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه"(41).
وحديث الإمام الباقر× عنه’: "ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه"(42).
ورواية علي بن جعفر أنه سأل أخاه الإمام موسى بن جعفر×: "سألته عن المرأة ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال: لا"(43).
ويستثنى من ذلك خروجها للواجب الشرعي كالحج، ولضرورات حياتها إذا توقفت على خروجها كالعلاج.
ويسقط هذا الحق من يد الزوج إذا اشترطت الزوجة إسقاطه في عقد الزواج، بأن تشترط لها حرية الخروج متى شاءت أو إلى أماكن وأغراض معينة، كما لو اشترطت حقها في الخروج للدراسة أو العمل، أو لزيارة أهلها وأصدقائها.
وينبغي للزوج أن يأذن لزوجته بزيارة أقربائها، وعيادة مرضاهم، وتشيع جنائزهم، ونحو ذلك.
حدود هذا الحق
يتفق الفقهاء على عدم جواز خروج الزوجة من دون إذن زوجها، إذا كان ذلك منافياً لحقه في الاستمتاع معها، فهنا لا يصح لها الخروج، وحرمان زوجها من رغبته، إلا إذا أذن لها بذلك.
أما إذا كان الزوج منصرفاً عن هذه الرغبة، بسفره، أو وقت انشغاله بأعماله المختلفة، وأرادت الزوجة الخروج إلى أمر مستحب أو مباح، فهل يجب عليها استئذانه؟ وهل يجوز له منعها من دون مبرر مشروع؟
أغلب الفقهاء يرون ذلك، أنه لا يجوز لها الخروج حتى عند عدم منافاة حق الزوج في الاستمتاع إلا بإذن الزوج، وأنه يصح لها منعها من الخروج، حتى لأغراض مندوبة وراجحة شرعاً كصلة الرحم، وطلب العلم، وعيادة المريض، وخدمة الدين والمجتمع، فضلاً عن الأغراض المباحة كالنزهة والترفيه عن النفس، والشراء من السوق.
لكن بعض العلماء ناقش في السعة المطلقة لهذا الحق، يقول السيد الخوئي (رحمه الله): "الروايات الكثيرة الدالَّة على عدم جواز خروجها من البيت بدون إذن الزوج فيما إذا كان منافياً لحقه، دون غير المنافي كالخروج اليسير، ولا سيما لملاقاة أبيها أو أمها، أو لزيارة الحرم الشريف، ونحو ذلك، فإن المستفاد من تلك الأدلة بمقتضى الفهم العرفي أن المحرّم ليس هو الخروج بالمعنى المصدري المتحقق آناً ما أعني فتح الباب ووضع القدم خارج الدار، بل الحرم هو الكون خارج البيت والبقاء في غير هذا المكان، فالمنهي عنه هو المكوث خارج الدار عند كونه منافياً لحق الزوج الذي هو القدر المتيقن من الأدلة"(44).
ولذا كانت فتواه&، في رسالته العملية، بإطلاق هذا الحق، على أساس الاحتياط الوجوبي، بسبب توقفه عند دلالة النصوص على ذلك، قال: "لا يجوز للزوجة أن تخرج من بيتها بغير إذن زوجها فيما إذا كان خروجها منافياً لحق الاستمتاع بها بل مطلقاً على الأحوط"(45).
ويقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين ما ملخصه: ليس في آيات الكتاب العزيز ما يمكن أن يكون دليلاً في مسألة وجوب الاستئذان على الزوجة، وسلطة المنع للزوج بشكل مطلق، والمرجع الذي اعتمده الفقهاء في المسألة هو روايات السنة الواردة فيها، وأغلبها غير صحيحة السند، وما صح سنده غير ثابت الدلالة على ذلك. وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تؤكّده الآيات القرآنية في العلاقة بين الزوجين، وأنها تخضع لمعيار المعاشرة بالمعروف، يقول تعالى: ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحْسَانٍ﴾ [البقرة/229]، ويقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء/19].
فلا يقتضي حق المساكنة أن يتحول بيت الزوجية إلى سجن للمرأة، لا يشرع لها الخروج منه إلا بإرادة الزوج، فإن الروايات التي ورد فيها النهي عن الخروج إلا بإذن الزوج، ليست مطلقة في جميع الأحوال والحالات، كما أنها لا تدل على أكثر من وجوب الاستئذان عليها، ولكن لا دلالة فيها على أن له حقاً في عدم الإذن، لأن ذلك ينافي المعروف، فالمعاشرة والإمساك في حالة منعها من الخروج في الحالات العرفية السائغة، ليست معاشرة وإمساكاً بالمعروف.
ولا وجه للإشكال هنا بأنه إذا كان عليه أن يأذن لها بالخروج، فأمرها بالاستئذان، ونهيها عن الخروج من دون استئذان يكون لغواً. وذلك لأن المقصود هو المحافظة على الاحترام والاعتبار العرفي للزوج، وللاستفادة من رأيه، في تشخيص موارد الخروج الراجحة والمرجوحة والمحرمة، من حيث الوقت والمكان والغاية، فالاستئذان في الحقيقة أقرب إلى طلب المشورة والنصيحة(46).
ويرى السيد محمد حسين فضل الله أن من حق الزوج على زوجته أن يجدها إلى جواره حيث يريدها، فلا يجوز لها الخروج من بيته في الأوقات والحالات التي يرغب في وجودها فيها إلى جانبه، ولو لم يكن يريدها جنسياً، وهو ما يصطلح عليه بـ"الخروج المنافي لحق الاستمتاع"، وذلك المعنى الذي يتجاوز الاستمتاع الحسي الجنسي إلى الأنس بحضورها، وأما حيث لا يحتاجها زوجها، فإنه يجوز لها الخروج من بيته من دون إذنه، لشؤونها المختلفة، حتى لو كان موجوداً في البيت، لكنه منصرف عنها في قراءة أو مجالسة ضيوف، أو نحوهما، مما لا يكون خروجها في مثله منافياً لحقه في الاستمتاع(47).
رأي الفقهاء السنّة
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: "وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما. قال أحمد، في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها... لكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما، لأن في ذلك قطيعة لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف"(48).
وعند الحنفية أنها تخرج للوالدين في كل جمعة بإذن الزوج أو من دون إذنه، وللمحارم في سنة مرة بإذنه أو من دون إذنه(49).
وعند الشافعيَّة يكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل في مرضه، وحضور مواراته إذا مات، لأن منعها مما ذكر يؤدي إلى النفور ويغريها بالعقوق(50).
وجاء في صحيح البخاري عن سالم عن أبيه عن النبي’: "إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها"(51).
المعاشرة بالمعروف
جعل الله للرجل حق القوامة في الحياة الزوجية، فقال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساَءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء/34]، فهو تحمل مسؤولية الكيان العائلي، بالمبادرة إلى تأسيسه، حيث يطلب يد الفتاة، ويدفع المهر، ثم هو المتكفل بالإنفاق على متطلبات الحياة للأسرة، وهو المتصدي لحمايتها والدفاع عنها.
وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة، فالرجل في موقع يتيح له التزام هذه المسؤولية وتحملها، من حيث قوته الجسدية، وطبيعته النفسية المؤهلة أكثر لتحمل المشاق والأعباء، وتوفير نفقات الحياة.
بينما تمتاز المرأة برقة الجسد ونعومته، وبما تمتلك من فيض الحنان والعاطفة، ما يؤهلها للقيام بدور الأمومة العظيم.
فهناك امتيازات وخصائص متقابلة بين الزوجين، فليس هناك امتياز مطلق لأحدهما على الآخر، بل نقاط قوة عند كل منهما تجاه الآخر، وبمشاركتهما وتكاملهما تتحقق سعادتهما، ويؤديان دورهما الإنساني الاجتماعي.
وقوامة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية تكليف قبل أن تكون تشريفاً، وفي مقابل الواجبات الملقاة على عاتقه تجاهها، تكون له بعض الصلاحيات وأهمها أن حق الطلاق بيده، ما لم تشترط هي في العقد وكالتها عند طلاق نفسها، حيث تشاركه بموجب هذا الشرط في حق الطلاق حسب رأي الشيعة، أو تشترط أن يكون أمرها بيدها تطلق نفسها متى شاءت حسب رأي السنة.
وللزوج حق الاستمتاع، وهي تشاركه في ذلك، لكن صلاحيته أوسع، كما أن له التحكم في أمر خروجها من المنزل، على تفصيل سبق بيانه. لكن هذه الصلاحيات الممنوحة للرجل من خلال موقع القوامة في الحياة الزوجية، لا يصح أبداً أن تتحول إلى تسلّط وقهر، وإلى استضعاف للمرأة وإساءة لكرامتها. ولأن ذلك كثيراً ما يحدث من بعض الأزواج تجاه زوجاتهم، فقد جاء التأكيد في آيات عددية، وأحاديث كثيرة، على أهمية مراعاة حقوق الزوجة المادية والمعنوية، والتعامل معها باحترام وإحسان.
تؤكد غير آية في القرآن الكريم، أن تعامل الزوج مع زوجته يجب أن يكون في إطار المعروف، وتكرر ذلك في اثني عشر موضعاً في القرآن الكريم منها:
يقول تعالى:
1 ـ )وَلَهُنَّ مِثلُ الْذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ( [البقرة/228].
2 ـ )فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ( [البقرة/229].
3 ـ )فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُهُنَّ ضِرَاراً لِتَْعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ( [البقرة/231].
4 ـ )وَعَلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكَسْوَتُهُنَّ بِالْمَعَرُوفِ( [البقرة/233].
5 ـ )فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعَرُوفٍ( [الطلاق/2].
والمعاشرة بالمعروف تعني أن تكون مخالطة الرجل ومعاملته لزوجته بأسلوب لائق، منسجم مع تعاليم الشرع، وأعراف المجتمع.
قال الطباطبائي في تفسير الميزان: "المعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب من الحياة الاجتماعية المتداولة بينهم"(52).
وقال السيد السبزواري: "إن لهن من الحقوق في ما تعارف بين الناس على الرجال مثل ما للرجال عليهن. ولم يذكر سبحانه وتعالى ما هو الثابت على كل واحد منهما، وإنما أوكله إلى ما تعارف عليه الناس، ليشمل جميع ما يتعلق بحسن المعاشرة، والخلق الحسن، وما ورد في الشرع، وما يحكم به العقل، فإن جميع ذلك من المعروف. وقد كرر سبحانه وتعالى هذا اللفظ في الآيات المتعلقة بالنكاح والطلاق اثنتي عشرة مرة لبيان أن جميع ذلك من سنن الفطرة، وشؤون المجتمع الإنساني، وهي باختلاف العصور والأمصار والمجتمعات"(53).
وقال الشيخ السعدي النجدي: )وعاشروهن بالمعروف(، وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا بتفاوت الأحوال"(54).
أما في السنة الشريفة فقد وردت أحاديث وروايات كثيرة، توصي الأزواج بحسن المعاشرة مع زوجاتهم. ففي صحيح البخاري عنه’ أنه قال: "فاستوصوا بالنساء خيراً"(55). وعنه’: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله"(56).
وعنه’: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخيارهم خيارهم لنسائهم"(57).
وعنه’: "أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة"(58).
وعن إسحاق بن عمار قال: "قلت لأبي عبد الله (الصادق)&: ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها، وإن جهلت غفر لها. وقال×: كانت امرأة عند أبي× تؤذيه فيغفر لها(59).
في المقابل، فإن هناك نصوصاً وتعاليم تؤكد على الزوجة حسن المعاشرة لزوجها، ومعاملته باحترام، فقد ورد عن رسول الله’ أنه قال: "أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها"(60).
وعنه’: "ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها"(61).
الاحترام المتبادل
المعاشرة بالمعروف بين الزوجين تعني أمرين:
أولاً : أن يؤدي كل منهما للآخر حقوقه، ضمن مستوى المتعارف في المجتمع، وليس ضمن الحد الأدنى، فنفقة الزوجة مثلاً، تكون حسب المتداول لأمثالها في المجتمع.
وثانياً: الاحترام المتبادل، مما يرتبط بالجانب المعنوي، فلا يجوز إيذاء الزوجة بجرح مشاعرها، أو إهانتها وإذلالها بغير حق، كما لا يجوز للزوجة خدش احترام زوجها وكرامته.
ورد في الحديث عن رسول الله’ أنه قال: "من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه، وإن صامت الدهر، وقامت وأعتقت الرقاب، وأنفقت الأموال في سبيل الله، وكانت أول من ترد النار، ثم قال’: وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً"(62).
ولا يقف الأمر عند حدود التحريم الشرعي واستحقاق الإثم عند إيذاء الزوجة، بل أقر الإسلام إجراءات رادعة، للانتصاف للمرأة وحماية حقوقها، إذا كان الزوج معتدياً مسيئاً، لأن الدين لا يسمح بأن تبقى المرأة مستضعفة فريسة لاضطهاد الزوج، غير الملتزم بأوامر الله تعالى.
قال الفقهاء: إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، ليمنعه من الإيذاء والظلم، ويلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف، فإن نفع وإلاَّ عزّره بما يراه ـ من توبيخ أو ضرب أو ما شابه ـ فإن لم ينفع أيضاً كان لها المطالبة بالطلاق، فإن امتنع منه ولم يمكن إجباره عليه طلقها الحاكم الشرعي(63).
والآيات القرآنية واضحة في أن الحالة المشروعة المقبولة للحياة الزوجية هي المعاشرة بالمعروف، وإلا فهو إنهاء العلاقة والتسريح بإحسان )فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف(.
حق الخدمة بين الزوجين
بالزواج تنشأ أخص علاقة بين شخصين هما الزوج والزوجة وأوثقها، ويحصل بينهم انفتاح مطلق على مستوى الروح والجسد، ومشاركة مصيرية في شؤون الحياة، وقد عبّر القرآن الكريم عن شدة الالتصاق بين الزوجين بتشبيهها بالتصاق اللباس بالجسد )هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ([البقرة/187]. ووصف الحياة الزوجية بأنّها سكن يأوي إليه الإنسان ويعيش في أحضانه )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً([الروم/21].
لكن هذه العلاقة الفريدة المميزة لا تلغي خصوصية كل من الزوجين، ولا تسلبه استقلال شخصيته، فهما شخصيتان مستقلتان، قررتا بملء إرادتهما الاقتران والشراكة، ضمن ضوابط حقوقية، تحمي خصوصية كل منهما في حدود رغبته واختياره وتصون العلاقة المفتوحة بينهما من أي نزوع للإساءة والاستغلال )وَلَهُنَّ مِثْلُ الّذي عَلَيْهنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةً( [البقرة/228].
ودرجة القيمومة التي يعطيها الإسلام للرجل في الحياة الزوجية، لا تعني إلغاء خصوصية المرأة، ولا تجاوز استقلالية شخصيتها، فالقيمومة هي تحمّل مسؤولية الإنفاق والرعاية للأسرة، وأن بيده حق الطلاق، وله حق الاستمتاع، الذي يجيز له أن يمنع ما يزاحم هذا الحق، ضمن تفصيل تناولته مسائل الفقه.
أما على الصعيد الديني، فهي إنسان منحها الله تعالى إرادة الاختيار كالرجل، لتتحمل أمام الله تعالى مسؤولية اختيارها، فلا يصح للزوج لو كانت زوجته كتابية، مثلاً، أن يفرض عليها اعتناق الإسلام، ذلك أنه )لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ( [البقرة/256].
وكذلك لو كانت الزوجة ضمن مذهب إسلامي آخر غير مذهب الزوج، فلا يحق له إكراهها، ولا مضايقتها، حتى تعتنق مذهبه.
ولو تعددت المدارس داخل المذهب الواحد، فليس للزوج أن يضغط على زوجته للانتماء إلى مدرسة معينة يؤمن بها.
وفي مسألة المرجعية والتقليد، فالمرأة حرة في اختيار المرجع الذي تطمئن إلى توفر شروط المرجعية لديه، ولا حق للزوج أن يجبرها على تقليد مرجع معين.
وعلى المستوى الفكري والثقافي، ليست ملزمة بأفكار زوجها وثقافاته، بل تقبل ما تقتنع به وترتئيه.
وفي المجال السياسي لها حرية الرأي والموقف، وإن اختلفت مع رأي زوجها وموقفه. نعم يمكن لأي منهما أن يسعى لإقناع الآخر، برأيه الديني أو الفكري أو السياسي، الذي يراه أحق وأصوب، لكن من دون ضغط أو إكراه، ففي أجواء الحياة الزوجية، ينبغي أن تسود بينهما المودة والرحمة)وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً( [الروم/21].
وعلى الصعيد المالي، فإن للمرأة استقلالها الاقتصادي التام، فنفقتها واجبة على الرجل على كل حال، أما أموالها فهي صاحبة القرار والمتصرفة فيها، ولا حق للرجل، ولا أمر ولا نهي في أموال زوجته إن شاءت، أو تستثمرها كما تريد، أو تستهلكها، أو تعطيها لأي أحد.
وما يقوم به بعض الرجال من الضغط على زوجاتهم العاملات والموظفات، للأخذ من رواتبهن، إن لم يكن بطيب نفس منهن، فهو غصب ونهب محرم شرعاً.
وعلى المستوى الاجتماعي، فالمرأة حرة في صداقة من شاءت، وفي التواصل مع من ترغب، من أرحامها وغيرهم وفي ممارسة أي دور اجتماعي، لا يحدها إلا أوامر الله تعالى ونواهيه، شريطة أن لا يزاحم ذلك زوجها في الاستمتاع، واستئذانه في الخروج من البيت، إذا كان الخروج مزاحماً لحق الاستمتاع ـ كما هو رأي بعض الفقهاء ـ أو مطلقاً حسب رأي المشهور.
وفي ما عدا موضوع الاستمتاع، فالمرأة حرة في نفسها ووقتها، تفعل ما تشاء وما تريد، ولا حق لزوجها في منعها من شيء لا يزاحم حقه. حتى قال الشهيد الثاني في المسالك: "والأقوى أن الزوج في ما وراء حق المساكنة والاستمتاع كالأجنبي"(64).
خدمة المنزل
من المتعارف عليه أن تقوم المرأة للزوج بالخدمة المنزلية، فتطبخ الطعام، وتغسل الملابس والأواني، وتكنس البيت، وتقوم باحتياجات الأولاد.
وهو جهد طيب تبذله المرأة، وتستحق عليه الثواب الكبير من قبل الله تعالى، لكن ما يجب أن يُعلم هو أن ذلك ليس واجباً على المرأة، وليس هو حقاً عليها، يقول الفقهاء:"لا يستحق الزوج على الزوجة خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع، من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو تنظيف الملابس أو غير ذلك، حتى سقي الماء وتمهيد الفراش، وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك(65).
بل اتفق الفقهاء على أنه لا يجب على المرأة إرضاع ولدها ولا حضانته، ولها المطالبة بأجرٍ على الرضاعة والحضانة.
وعدم وجوب خدمة الزوج على الزوجة، هو رأي الفقهاء الشيعة والحنابلة والشافعية وبعض المالكية، لكن الحنفية وجمهور المالكية أوجبوا ذلك على المرأة مستدلين بما ورد من أنه’ قضى على ابنته فاطمةO بخدمة البيت، وعلى علي× ما كان خارج البيت من عمل، وأنه’ كان يأمر نساءه بخدمته كقوله’: "يا عائشة اسقينا، يا عائشة أطعمينا، يا عائشة هلمّي الشَّفرة واشحذيها بحجر. وردَّ ابن قدامة الحنبلي على هذا الاستدلال بقوله: "إن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع، فلا يلزمها غيره، كسقي دوابه، وحصاد زرعه، فأما قسم النبي’ بين علي وفاطمة، فعلى ما تليق به الأخلاق المرضية، ومجرى العادة، لا على سبيل الإيجاب، كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر، أنّها كانت تقوم بفرس الزبير، وتلتقط له النوى، وتحمله على رأسها. ولم يكن ذلك واجباً عليها"(66).
ومن المؤسف أن بعض الرجال يلزمون زوجاتهم بخدمتهم، وخدمة الأولاد والعائلة والضيوف، بشكل متعسف، كأن ذلك واجب عليهن، وتتعرض بعض الزوجات للأذى إذا قصرت في شؤون الخدمة أو أخطأت في شيء منها.
خدمة الزوجة
ذكر الفقهاء أن الزوجة "إن كانت من أهل بيت كبير، ولها شرف وثروة، لا تخدم نفسها، فعلى الزوج إخدامها، وإن تواضعت في الخدمة بنفسها، وكذا إن كانت مريضة تحتاج إلى الإخدام لزم. وإن لم تكن شريفة، بل كانت الزوجة أمةً تستحق الإخدام لجمالها لزم ذلك لها، للقضاء بالعادة… وإذا وجبت الخدمة على الزوج لزوجته، فالزوج بالخيار، بين الإنفاق على خادمها إن كان لها خادم، وبين ابتياع خادم، أو استئجاره، أو الخدمة لها بنفسه، وليس لها التخيير… ولا يلزمه أكثر من خادم واحد لأن الاكتفاء يحصل بها، وفي المسالك: احتمال اعتبار عادتها في بيت أبيها، فإن كانت ممن تخدم بخادمين أو أكثر وجب، لأنه من المعاشرة بالمعروف…"(67).
وهذه المسألة محل اتفاق بين المذاهب الإسلامية. وذلك يعني أن المرأة لا يجب عليها خدمة الزوج بحال من الأحوال، بل ذلك مستحب، لها فيه الأجر العظيم، والثواب الجزيل، ولكن الزوج عليه توفير الخدمة للزوجة في بعض الحالات، كما إذا كانت من ذوي الشأن، وقد اعتادت أن تُخدم، وكذلك لو كانت مريضة، أو ذات عاهة تقعد بها عن الخدمة.
* * *
الهوامش


(*) باحث وإحدى الشخصيات البارزة في المملكة العربيَّة السعوديَّة.
(1) المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج. 10، ص. 222.
(2) الهندي: علي المتقي، كنز العمال، حديث رقم 44580.
(3) المصدر نفسه، حديث رقم 44876.
(4) الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، حديث رقم 25157.
(5) القشيري النيسابوري: مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، حديث رقم 1006.
(6) النوري الطبرسي: ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، حديث رقم 16349.
(7) زيدان: الدكتور عبد الكريم، المفصل، ج. 7، ص. 244.
(8) النوري الطبرسي: ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، حديث رقم 25540.
(9) المصدر نفسه، حديث رقم 25548.
(10) النوري الطبرسي: ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، حديث رقم 16767.
(11) المصدر نفسه، حديث رقم 16378ز.
(12) الحر العاملي: محمد بن الحس، وسائل الشيعة، حديث رقم 25301.
(13) المصدر نفسه، حديث رقم 25549.
(14) المجلسي: محمد الباقر، بحار الأنوار، ج. 100، ص. 288.
(15) القشيري النيسابوري: مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، حديث رقم 56، باب استحباب نكاح البكر.
(16) الغزالي: أبو حامد، إحياء علوم الدين، ج. 2، ص. 74، دار الهادي، بيروت 1992.
(17) الحر العاملي: محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، حديث رقم 25187.
(18) المصدر نفسه، حديث رقم 25183.
(19) المصدر نفسه، حديث رقم 25184.
(20) ابن قدامة الحنبلي، المغني، ج. 10، ص. 232.
(21) البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 5165.
(23) الحر العلملي: محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، حديث رقم 25234.
(23) المصدر نفسه، حديث رقم 25222.
(24) النوري الطبرسي: ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، حديث رقم 16568.
(25) البار: الدكتور محمد علي، خلق الله بين الطب والقرآن، ص. 48 و49، الطبعة العاشرة 1995م.، الدار السعودية للنشر.
(26) الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، حديث رقم 25249.
(27) المصدر نفسه، حديث رقم 25256.
(28) ابن قدامة الحنبلي، المغني، ج. 1، ص. 266، الطبعة الثانية 1992م.
(29) شمس الدين: محمد مهدي، حقوق الزوجية، الطبعة الأولى 1996م.، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، بيروت، ص. 70.
(30) السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، المعاملات ـ القسم الثاني، مسالة 9، الطبعة الأولى 1426 هـ.
(31) المصدر نفسه، مسألة 341.
(32) شمس الدين: محمد مهدي، الحقوق الزوجية، ص. 137.
(33) فضل الله: السيد محمد حسين، فقه الشريعة، ج. 3، مسألة 755، الطبعة السابعة 2003، دار الملاك، بيروت.
(34) زيدان: الدكتور عبد الكريم، المفصل نفسه، ج. 7، ص. 241.
(35) المصدر نفسه، ص. 242.
(36) الزحيلي: الدكتور وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج. 7، ص. 816.
(37) المصدر نفسه، ص. 816.
(38) البخاري: محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 2211.
(39) الزحيلي: الدكتور وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج. 7، ص. 812.
(40) المصدر نفسه، ص. 778.
(41) الزحيلي: الدكتور وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج. 7، ص. 335.
(42) الكليني: محمد بن يعقوب، الكافي، ج. 5، ص. 506.
(43) مسائل علي بن جعفر: ص. 179، حديث رقم 333.
(44) الخوئي: السيد أبو قاسم، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم، ج. 2، ص. 361.
(45) السيد الخوئي، منهاج الصَّالحين، ج. 2، مسالة 1407.
(46) شمس الدين: محمد مهدي، حقوق الزوجية، ص. 77 ـ 91، الطبعة الأولى 1996م.، المؤسسة الدولية، بيروت.
(47) فضل الله: السيد محمد حسين، فقه الشريعة، ج. 3، مسالة 751.
(48) ابن قدامة: المغني ج. 10، ص. 224، الطبعة الثانية 1992م.، هجر للطباعة والنشر ـ القاهرة.
(49) الموسوعة الفقهية، الكويت، ج. 19، ص. 110.
(50) الزحيلي: الدكتور وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج. 7، ص. 336.
(51) البخاري: محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، النكاح ـ باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره.
(52) الطباطبائي: السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج. 2، ص. 236.
(53) السبزواري: السيد عبد الأعلى، مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج. 4، ص. 10.
(54) السعدي: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن، ص. 242.
(55) البخاري: محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 5186.
(56) القشيري: مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، حديث رقم 1218.
(57) البنا: أحمد عبد الرحمن، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج. 16، ص. 236.
(58) الكليني: محمد بن يعقوب، الكافي، ج. 5، ص. 512.
(59) المصدر نفسه،، ص. 511.
(60) الهندي: علي المتقي، كنز العمال، حديث رقم 44771.
(61) المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج. 100، ص. 246.
(62) المصدر نفسه، ج. 100، ص. 246.
(63) السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، المعاملات، القسم الثاني، مسالة رقم 360.
(64) الشهيد الثاني: مسالك الأفهام، ج. 8، ص360، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى 1416 هـ.
(65) السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، المعاملات، القسم الثاني، مسألة رقم 340.
(66) ابن قدامة، المغني، ج. 10، ص.226.
(67) النجفي: الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، ج. 11، ص. 217 و218، دار المؤرخ العربي، بيروت 1992.
  بواسطة : الشيخ حسن الصفار