الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

لغة الحوار أساس السلام في المجتمع

لغة الحوار والاعتراف بالرأي الآخر هي اللبنة الأولى في تطور المجتمع وخلق التلاقح الفكري الذي يؤدي إلى التجانس والانسجام في كل مسألة تسهم في تطور المجتمع وتقدمه.
ومما لا جدال فيه أن لغة الحوار و التسامح من القيم الحضارية لأي أيديولوجية أو فكر بغض النظر عن ثوابت هذه الأيديولوجية ومما لا شك فيه أيضا أن كل إنسان يحمل فكراً أيديولوجيا منضبطاً بضابط العدل و المساواة لابد وأن يدعو إلى لغة الحوار و التسامح وهذا أمر إيجابي...
لكن هناك سؤال يطرح نفسه عن طبيعة القالب الذي يحتضن هذا الحوار والتسامح بين نسيج الشعب ؟!!‏ والشباب من هذا النسيج وهم العنصر الرئيسي في تجسيد الديمقراطية والحوار والبعد عن التطرف وإتقان لغة الحوار، وعنصر الشباب في كل مجتمع إنساني هو طاقته وذخره في المستقبل، وهم القوة المحركة والفاعلة في كل مجتمع في جميع مراحل حياتنا كان لهم دور كبير في مواجهة التحديات والأزمات التي تواجه أي مجتمع من خلال تشكيل وتكوين فكر وقدرات وطاقات الشباب على النحو المحقق لأهداف المجتمع في النهضة والنمو والتطور، وإذا كان الشباب اليوم يمثلون نصف الحاضر فأنهم في الغد سيكونون كل المستقبل، ومن هنا جاءت العبارة بأن الشباب عماد المستقبل.
الشباب وسيلة التنمية وغايته، فالشباب يسهمون بدور فاعل في تشكيل ملامح الحاضر واستشراف المستقبل، والمجتمع لا يكون قويا إلا بشبابه والأوطان لا تبنى إلا بسواعد شبابه، وذلك عندما يكون العنصر البشري معد بشكل سليم وواعي مسلحا بالعلم والإيمان والانتماء والولاء للوطن، عندها سوف يصبح أكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر وأكثر استعدادا للمستقبل، ولذلك فان جميع الأمم والشعوب تراهن عليهم دوما في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة، وثقافة الاعتدال والتسامح واحترام الرأي والرأي الأخر والتعايش السلمي جميعها تصب في تحقيق التقدم والتطور والبناء الاجتماعي السليم.
وإننا اليوم بأمس الحاجة إلى إشاعة لغة الحوار وثقافة الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي والانفتاح والاعتراف بالآخر والوقوف بحزم وبشدة ضد تيارات التشدد والتطرف والعنف ولا بد من العناية بتصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات الشرعية وتخليصها مما خالطها من المصطلحات المغلوطة والمشبوهة والحفاظ على خصوصيتنا الثقافية ومميزاتنا الفكرية.
 ولابد في هذا المجال أن نشير إلى نقطة هامة جدا ألا وهي الانفتاح الإيجابي والتداخل والتفاعل بين الشعوب المتقدمة والمتحضرة والاستفادة منها: بشكل خاص في نجاح وتعزيز النهج الديمقراطي بمفهومه الواسع وليس فقط التركيز على العملية الانتخابية إضافة إلى قضايا حقوق المرأة والأقليات وحقوق الإنسان ونشر ثقافة التداول السلمي للسلطة والتنمية البشرية..
ولنا في التجربة خير برهان - كوريا الجنوبية واليابان- فهذه الدول عندما كانت متشددة ويسودها العنف والتطرف الحزبي والعرقي والديني كان مصيرها التدمير والهلاك والفقر والجوع وعندما توجهت نحو لغة الحوار وثقافة الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي وتوقفت الإيديولوجية المتشددة والمتطرفة أصبحت بحق وحقيقة من الدول الاقتصادية الكبرى في العالم وهو ما نتمنى بالفعل أن يتحول هذا الحلم إلى واقع بأن تصبح مجتمعاتنا العربية والإسلامية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وغير ها من الدول المتقدمة والمتحضرة.
وخلاصة القول.. أنه لا سبيل غير لغة الحوار وثقافة الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي والاعتراف بالآخر كضمان وحيد لتحقيق التقدم والتطور والبناء الاجتماعي السليم.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي ينبغي في الواقع أولا أن يتحاور العرب والمسلمون فيما بينهم وينفتحون على بعضهم البعض بكل صراحة وشفافية حتى يستطيعون تجاوز حالة التفرقة والتنازع والتصادم والتحارب ويتفقون على بناء مشروع حضاري يخدم شعوبهم أولا وأخيرا، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتضافر كل الجهود والإمكانات والطاقات ويستفاد من كل العقول المفكرة والمنتجة في سبيل النهوض الحضاري الشامل..
ومن هنا يمكنهم أن ينطلقوا بروح جديدة نحو إيجاد مناخ مناسب وملائم لانطلاقة حضارية شامخة وعظيمة تنافس وتواكب الأمم المتقدمة والمتحضرة في المستقبل المنظور.
إن هذا التعايش الذي يتجلى في الحوار والائتلاف حول القضايا الوطنية، وحول تأكيد الهوية الثقافية والفكرية المنطلقة من الثوابت الدينية والوطنية، والمستفيدة في الوقت نفسه من التحولات الثقافية الإيجابية عربيا وعالميا بما يزكو من حياتنا، وبما يطور من رؤانا وتصوراتنا التي نستثمرها في النهضة والبناء والمعرفة، هذا التعايش سمة من سمات هذه البلاد الأصيلة التي تنطلق من أدبيات وتقاليد عريقة لها أثرها في مختلف الأجيال.
وإن هذا التعايش ربما لا نجده في مناطق أخرى من العالم من حولنا، حيث يتخذ التنوع الإثني (الأجناس البشرية وخصائصها وأخلاقها وتفرقها) أو العرقي أو المذهبي شكلا حادا، ويتخذ سمة الصراع في المنابر، فكل يريد أن يعبر عن نفسه، أو تياره بأية صيغة، وبأي شكل، حتى ولو تحول هذا التعبير إلى طرق غير مشروعة، أو إلى تعبيرات ومواقف حادة، وهذا ما تنبذه كل الأطياف الفكرية والوطنية في بلادنا متجهة صوب الحوار المسؤول المستظل بمظلة الدين والوطن، وهي مسؤولية وطنية ناضجة.
من هنا لنا أن نزهو بهذا التعايش الذي يترك مساحة كبيرة للتفكير والتأمل واستشراف مختلف القضايا، ووضع تصورات إيجابية شاملة حولها، وهو الأمر الذي يقودنا إلى استلهام عناصر هذه التصورات، وتطبيقها بشكل عملي يؤدي إلى النهوض والتقدم والمعرفة، وهذا هو دور الحوار، وصدى التعايش بين مختلف التيارات الفكرية .
-----------------
عدنان العلي الحسن