الأحد، 1 سبتمبر 2013

الدولة والإرهاب الفكري

من يملك كشف الإرهاب الفكري هم النخب الذين يستطيعون إرغام الدولة على رفع سقف الحرية والدفع بمسيرة التنمية الفكرية والوطنية.
تلعب الدولة بمؤسساتها كافة دوراً محورياً في رسم فضاءات الحرية الفكرية سلباً وإيجاباً. ولعل أهم وظيفة للدولة هي رفع مستوى الحريات وإطلاق العنان للعقل وللتفكير والابداع، خصوصاً في المجالات التنموية التي تدفع بمسيرة التطور وتمنع الركود والجمود السياسي أو الاقتصادي.
ويمارس كثير من الدول، سواء الغربية المتقدمة سياسيا في الممارسة الديموقراطية أو معرفيا أو الدول العربية والاسلامية خصوصاً الخليجية، دورا كبيرا ومحوريا في الارهاب الفكري المتمثل في عمليات القمع والمنع على مستوى المعرفة والاحتكار على مستوى السياسة.
وتمتلك الدولة أدوات عديدة تمارس من خلالها الإرهاب على كافة مستوياته الفكرية، بل تلعب دورا في رسم الذهنيات العامة وفق إراداتها وتصوراتها مستخدمة لذلك الارهاب المعرفي تارة والارهاب السياسي تارة أخرى، بل قد تكرس إرهابها السياسي لخدمة الارهاب المعرفي، لكون العقل المنتج للأفكار والقادر على السباحة في جميع الفضاءات هو عقل يملك القدرة على توعية الجمهور وعلى محاسبة السلطة ومؤسساتها، بل عقل قادر على الانتاج المعرفي في جميع المجالات، خصوصاً السياسية التي تعنى بسياسة الدولة داخليا وخارجيا، ويكون قادرا على مراقبة أدائها ومحاسبتها حاشدا خلفه جمهورا من الواعين طالما سقف الحريات عال والعقل متألق فكريا.
ولكن الدولة تمتلك آليات مختلفة قد تكون غير مباشرة في ممارسة الارهاب الفكري وبعض هذه الاساليب تعتبر ناعمة وغير ملموسة إلا عند فئة من النخب، فقد ترفع الدولة سقف الحريات ولا تمارس عملية القمع والمنع ولكن لكونها تملك أدوات مهمة في الدولة فإنها تكون قادرة من خلالها على رسم خطوط غير مرئية تستخدمها لرسم الافكار وإعادة صياغة ذهنية الناس وتوجيه العقول باتجاه ما ترسمه هي من سياسات وما تتبناه من رؤى وأفكار، يكون ظاهرها حرا وباطنها يستعبد العقول لها لتقودها حيث تريد وهو من أخطر أنواع الارهاب الفكري الناعم. ومن أبرز وأخطر هذه الأدوات هي وزارة التربية والتعليم والتي من الممكن أن تلعب دورا خطيرا في الارهاب الفكري الناعم.
فالمنع المباشر إذا مارسته الدولة له تداعيات عكسية عليها تدفع بالنخب لمواجهتها وتكون قادرة على تحشيد الجماهير خلفها، وبالتالي يتحول المنع إلى كسر للقيود والموانع ولتثوير تلك الأفكار وتوليدها وإعادة صياغتها كرؤى يتبناها الجمهور ويضغط لتطبيقها عليها.
وللدول أسلحة عديدة تمارس من خلالها الارهاب الفكري، منها الاعلام والقضاء والبرلمان بل قد يتحول القانون إلى أداة طيعة في يد السلطة لاستخدامه في ممارسة هذا الارهاب، بل حتى المؤسسة الدينية تتحول إلى أداة سلاحها الفتوى لتمكين السلطة من ممارسة إرهابها.
ولكن هل النخب والمثقفون واقعا يلعبون دورا في كشف هذا الإرهاب وأدواته أم يقع جلهم كأداة لها في ممارسة الارهاب الفكري بل هو بنفسه يمارسه؟