الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

التفرقة بين المسلمين: الأسباب والعوامل

تُبذل حاليّاً مساعٍ وجهود مضاعفة، ومن أكثر من جهة، عالميّة ودوليّة، وحتى إقليميّة، من أجل أن لا يتّحد المسلمون، وأن لا يتفقوا، وأن يعمل بعضهم ضدّ بعضهم، وتكريس حالة العداء والبغضاء فيما بينهم.
 وتتصاعد هذه المساعي والجهود خصوصاً كلّما اشتدّت الظروف والأحوال، وكلّما كانت أوضاع المنطقة أكثر دقّةً وحساسيّةً وتعقيداً، وعلى وجه التحديد: كلّما كان المسلمون في حاجةٍ إلى لوحدة أكثر من أيّ وقتٍ آخر.

واعتماداً على تصوّرٍ غير بعيدٍ عمّا يجري حولنا في الواقع الراهن، فإنّنا نرى أنّ أعداء هذه الأمّة ليس لهم دافع وراء هذه المساعي والجهود (اللّامباركة) سوى الحؤول دون تحقّق ذلك الطموح الإسلاميّ المتجذّر في وجدان المسلمين بشكلٍ عامّ، أعني به: الطموح بالوصول إلى تحقيق سيادة الإسلام وحكومته.. وهو طموح بات اليوم يقترب أكثر فأكثر من أطواره العمليّة؛ ومن الطبيعيّ أنه إذا أُريد للإسلام أن يسود، وإذا أراد المسلمون في العالم الإسلامي أن يعتصموا بالإسلام، فإنّ هذا سوف لن يكون متاحاً لهم مع وجود كلّ هذه الخلافات والنزاعات.

وفي الحقيقة، فإنّ إشعال نيران الحروب والنزاعات الدامية بين المسلمين في داخل المجتمعات الإسلاميّة، سواء في البلد الواحد أو بين البلدان الإسلاميّة المتعدّدة، هي العقبة الأصعب في طريق سيادة الإسلام وإقامة حدود الله على أرضه.

وفي هذه المقالة نسلّط الضوء على بعض الأسباب والعوامل التي من شأنها أن تُنجح مساعي التفرقة والتشتيت التي يبذلها الأعداء، لغرض معرفتها أوّلاً ومواجهتها ثانياً:

1) الشرك: الأفكار المشركة توزّع البشر وتفرّقهم، والمجتمع القائم علی أساس الشرك يفرّق البشر إلى طبقاتٍ، ويجعل هذه الطبقات أجنبيّة علی بعضها. وفي مثل هذا المجتمع، عندما تُطرح علاقة الإنسان بمبدأ الوجود وبالقوّة القاهرة والمتسلّطة علی العالم، فمن الطبيعيّ أن يتفرّق البشر، ويبتعد بعضهم عن بعضهم، فينحاز أحدهم إلی إله، ويركن الآخر إلی إله آخر، ويؤمن الثالث بإله ثالث، وهذا بخلاف ما لو كان المجتمع توحيديّاً، سواء كان إسلاميّاً أم غير إسلاميّ، فإنّ المجتمعات التوحيديّة توجّه قلوب أبنائها نحو نورٍ واحد، وإله واحد، يفيء الجميع إليه، ويستمدّ الجميع منه، ويلتقي الجميع عنده. بخلاف المجتمع الذي يكون مبنيّاً علی أساس الشرك، فإنّه يبني بين أبناء البشر والجماعات الإنسانيّة جدراناً مستعصية، ويحفر بينهم حفراً وهاويات لا يمكن ردمها.

2) الشيطان: أينما كان هناك اختلاف بين المؤمنين وبين عباد الله الصالحين، فلا شكّ في أنّ الشيطان عدوّ الله حاضر هناك. فحيثما وجدنا اختلافاً فلنفتّش قليلاً، وسنجد من دون كثير عناء أنّ الشيطان هناك، أو الشيطان الذي في داخل نفوسنا، المسمی بـ النفس الأمارة بالسوء، وهو أخطر الشياطين. إذاً من وراء كلّ الاختلافات تقف: إمّا أنانيّاتنا وحبّنا للجاه والنفس، أو الشياطين الخارجيّة، ومنها: أيادي الأعداء والاستكبار والقوی الظالمة الجائرة.

3) الجهل وسوء الفهم: لو علم المسلمون على وجه الدقّة أنّ الوحدة هي جوهر هذا الدين، وهي من صميم تعاليمه وأحكامه، لما وجدنا الأمّة الإسلاميّة تعاني من التفرقة ومن مظاهر الشقاق والنزاع. فعلى الأمّة الإسلاميّة اليوم، بنخبها السياسيّة والثقافيّة والدينيّة، وبأبنائها كافّةً، أن تكون متيقّظةً أكثر من السابق، وأن تتعرّف علی حيل الأعداء ومخطّطاتهم وتواجهها، ومن أقوى هذه الحيل وأخبثها: هي إذكاء نيران الخلافات، التي لو اقترنت بغفلة من جانب المسلمين، أو لو أنّها اختلطت بالعصبيّة وسوء الفهم وانقطاع التواصل والحوار، لاستطاعت أن تخلق من المسلمين أعداءاً يجابه بعضهم بعضاً.

إنّ التعصّب الأعمى لا يولّد إلّا المزيد من الجهل والعمى، كما نجده لدى بعض المذاهب التي تدّعي الإسلام اليوم، من الحقد وضيق الأفق، حتى أنّهم يعتبرون العالم الإسلاميّ كلّه كافراً، ما عداهم هم طبعاً، فنراهم يوزّعون تهم التكفير يميناً وشمالاً، وعلى مسائل صغيرةٍ تافهة، أو مسائل خالفوها اتّباعاً لأهوائهم وهي مرغوبة شرعاً وممدوحة عقلاً، ولكنّنا نسأل: هل يكون كافراً من يعشق النبي الأكرم(ص)؟! وهل من يفرح في يوم مولده(ص) ويوزّع الحلوى ويظهر السرور يكون كافراً؟! وهل من يتقرّب إلى الله بحبّ أوليائه يكون كافراً؟!!

4) الزعماء وأصحاب السلطة: إنّ الخلافات والتناقضات والمماحكات والصدامات والإساءات كانت موجودة بين الفرق والطوائف الإسلاميّة منذ قرون وإلی اليوم، وهي منذ ذلك الحين، وإلى الآن، في ضرر المسلمين وحدهم. وإذا تتبّعنا جيّداً، فسنجد أنّ غالبيّة هذه التناقضات والصراعات في التاريخ الإسلاميّ ترجع إلی أجهزة السلطة ورؤوس الأنظمة الحاكمة، وأنّ خيوطها كانت كلّها تقريباً بيد السلطات في جميع البلاد الإسلاميّة. فالجهل والعصبيّة وحدهما (مع عظيم أثرهما) ما كان لهما أن يوجدا تلك الأحداث الدامية الكبيرة في التاريخ، لولا أجهزة الحكم وأصحاب السلطة ممّن كانوا يستفيدون في الجانب الشخصيّ والمادّيّ من تسعير نيران هذه الخلافات. ثمّ حينما دخل الاستعمار إلی البلدان الإسلاميّة، بات واضحاً أنه أيضاً يتابع نفس الهدف، ويمشي على نفس الطريقة والمنوال.

--------
حسن يحيى