الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

المرأة.. بين الحقوق المهضومة والهوية الضائعة

للحديث عن دور المرأة ومكانتها في المجتمع الإسلامي مذاق خاص, خصوصاً عندما يتزامن ذلك مع نداءات المرأة المتكررة نحو التحرر والتحضّر, جاعلة من المرأة الغربية قدوة لها, فيما عميت عينها عن تلك المرأة التي جسّدت كل الأبعاد الجمالية والكمالية للمرأة, فكانت بحق هي القائد وهي الأحق بالاتباع, هي الزهراء الطاهرة المعصومة, التي هي امرأة بتمام معنى الإنسان.
نعم, يجري اليوم الحديث عن حقوق مهضومة للمرأة في المجتمع الإسلامي, فهل هذا صحيح؟

نظرة تاريخية


في التاريخ المعاصر شهد العالم الغربي تغيرات واسعة جداً في النظم الثقافية والاجتماعية تماشياً مع التقدم الحاصل في العلوم التجريبية وخاصة على الصعيد الفني والتكنولوجي. وقد كانت البذرة التي أنبتت هذه التغيرات هي الأنشطة الفكرية والعلمية والجهود الثقافية في عصر النهضة, وبعبارة أخرى فإنّه بعدما ولّت القرون الوسطى ظهرت في أوروبا ثقافة جديدة كانت الأرضية للثورة الصناعية, كما كانت الأساس لظهور ظواهر اجتماعية مختلفة.

وبلحاظ المشكلات الكبيرة للمجتمعات الأوروبية مع الكنيسة, على مختلف مذاهبها, تلك المشكلات الناتجة عن الاختلافات التي برزت بين المقامات الروحية من جهة والعلماء والمحققين في العلوم الطبيعية من جهة أخرى, استطاعت الثقافة الجديدة أن تتوصّل إلى فصل الدين وأبعاده كلياً عن الحياة الاجتماعية.

وكان لتطوّر وسائل الاتصال والعلاقات العامّة وانتشارها بين الناس مساهمة فعّالة في ترويج هذه الأفكار وإشاعتها إلى حدّ كبير في المجتمعات الأخرى, ومنها الإسلامية, ناهيك عن توسع ظاهرة الاستعمار, سواء المباشر منه كاحتلال بعض البلدان الإسلامية مثل الجزائر ومصر وغيرها, أو غير المباشر, بمعنى السيطرة على أنظمة الحكم, ورجال الدولة والمقتدرين في المجتمع كما حصل في كثير من بلدان العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر, وما بعده.

في ركب الحضارة


في ذروة هذا الأمر, برزت نداءات مختلفة تنادي باحتذاء النهج الأوروبي للهروب من التخلّف واللحوق بركب التحديث والحضارة. وكنا نسمع من أدبائنا ومثقفينا, بل علمائنا أحياناً, بأن لا نجاة لشعبوبنا الإسلامية إلاّ بسلوك الأوروبيين وتقليدهم في الحياة. وقد عمدت الحكومات في البلدان الإسلامية إلى طلب المساعدة من الدول الغربية في عملية تحديث بلدانها وتمدّنها, وكانت تلك الدول بدورها تشترط إدخال القيم الغربية كبديل عن القيم الإسلامية بحيث يتم فصل الدين عن ساحة الحياة الإجتماعية والسياسية.

ولقد استغل الغرب هذا الوضع لإيجاد الظواهر الاجتماعية المنحرفة عن القيم الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمعات الإسلامية فكان لذلك الأثر الكبير على البنية الاجتماعية والثقافية, وكذا على القيم والسلوكيات العامة ومن ذلك الحياة الفردية والاجتماعية للمرأة وأيضاً العلاقات الأسرية. فتبرّجُ المرأة يعني بنظرها حريتها, ومنافستها الرجل في ميادين العمل حقٌ من حقوقها بل هو كمالٌ لها, وإبراز مفاتنها ومحاسنها استدراراً للمال دورٌ أساسيٌ لها تطمح إليه كل من تريد أن تنال مكانة أو شهرة.

ماذا كانت النتيجة؟


لا يمكن لأحد أن ينكر وجود مشاكل كثيرة لدى المرأة, حتى في المجتمعات الإسلامية. ولكن هل كان الحل السليم والعلاج الناجح باستيراد الثقافة والقيم الغربية؟
لقد كانت نتيجة ذلك أن تضاعفت المشكلة لدى المرأة المسلمة أكثر فأكثر.
أولاً: لأنها صارت ـ ومن خلال التلقين الثقافي الغربي ـ تعتبر الإسلام وقيمه سبباً لتخلّف المجتمعات الإسلامية, والمرأة بشكل خاص, في الوقت الذي تبحث فيه عن دور ومكانة لها في هذه المجتمعات الإسلامية, أو على الأقل الشرقية وهي مجتمعات محافظة كما نعلم.

وثانياً: لأن الثقافة الغربية لم تجد الحلول الكاملة لمشكلات المرأة الغربية حتى في مجتمعها.


ما هو الحل؟


واليوم إنّ أغلب الدراسات والكتابات التي قام بها الباحثون والمفكرون, حتى الإسلاميون منهم, كانت تناقش مفردات المشاكل الناجمة عن التقليد الثقافي والقيمي الغربي. وهذا لا يعالج المشكلة لأنّه في التراث الثقافي والاجتماعي التاريخي لهذا المجتمع, وهذا من مسلمات علم الاجتماع.
وعليه, فلا يمكن تشخيص دور المرأة ومكانتها في مجتمع إسلامي بمعزل عن التراث الثقافي والقيم الإسلامية, وبإعفاء الرؤية التوحيدية للإسلام الشاملة لكل جوانب الحياة.
إنّ الرؤية المادية للحياة السائدة في المجتمع الغربي اعتبرت الاقتصاد هو الأساس, وعلى هذا الأساس فقد حددت الدور الأساسي للمرأة واستخدمت المرأة أسوأ استخدام في هذا المجال. أما الأدوار الأخرى مثل التعليم والتربية ووظائف الأمومة والنشاطات السياسية والاجتماعية فقد كانت ثانوية نسبياً.

وبناءً على هذه الرؤية فقد بقي الإنسان الغربي منسجماً مع رؤيته و نظريته للمرأة. أمّا عندما نطبّق ذلك في المجتمع الإسلامي الذي تسوده الثقافة والقيم الإسلامية والرؤية التوحيدية المنبثقة من عالم الغيب, فالأمر يصبح مختلفاً تماماً.
فالدور الأساس للمرأة هو الدور التربوي وخاصة وظيفة الأمومة فالمرأة كالقرآن, كلاهما أو كل إليه صنع الرجال, ومن أحضان النساء يعرج الرجال إلى الكمال. طبعاً لا يعني ذلك إغفال الأدوار الأخرى, فالمرأة مجالها واسع في ميدان المعرفة, ودورها واسع في نهضة المجتمع بل هو أساسي جداً.

كانت هذه في الواقع إشارة حاولنا فيها إلفات النظر إلى حقيقة دور المرأة ومكانتها في المجتمع المسلم, ودعوة للجميع أن يدرسوا الإسلام, أحكاماً وقوانين, ويتعرفوا على القيم الإسلامية ويرجعوا إلى التراث الفكري والحضاري للمسلمين, فهذا هو الطريق الأفضل للمرأة المسلمة التي تعيش في مجتمعاتنا الإسلامية إذا أرادت أن تشخص لنفسها دوراً أساساً ومكانة اجتماعية مرموقة.

---------------------
حسین خضر